الخطة الخمسية ثم العشرية، فرؤية الإمارات 2021، والآن التخطيط لمئوية الإمارات 2071.. نظرة مستقبلية خارقة، يطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تمتد خمسة عقود قادمة، وتأتي تأكيداً لمحاضرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والتي حدد معالمها بمشروع شامل لتهيئة دولة الإمارات العربية المتحدة لدخول المستقبل. وفي هذه المحاضرة حدد سموه الأهداف بثقة واعية ومسؤولة، كما رسم انطلاقة جادة دؤوبة. إنها مئوية الإمارات التي تضم أهم المحاور لبناء الدولة كي تكون أفضل دولة في العالم عام 2071، وقد حدد محاور المستقبل للتطوير والتقدم والسعادة والرخاء، وهي التعليم والاقتصاد والتطوير الحكومي والتماسك المجتمعي. ولو نظرنا لهذه الأطر الأربعة لأدركنا أنها الركائز الحقيقية لنجاح أي أمة في النهوض والارتقاء والتفوق. فالتعليم أول عوامل البناء الوطني، حيث إن السباق العلمي في العالم المتقدم اليوم، أي السباق نحو الابتكارات والاكتشافات، هو مصدر الثروة الحقيقية، لأنه مصدر نفيس وأغلى من كل الصادرات، لأن نتاج ذلك هو تصدير كل إبداع جديد وفي مختلف مجالات الحياة. إن المناهج والأساليب التعليمية من أهم الوسائل للبناء الوطني. لذلك نحتاج إلى تطوير أساليب التعليم وطرقه ومناهجه، وتقديم نماذج رائدة في التفكير الإبداعي، لبناء الأجيال الواعدة. إن التعليم المنشود هو الدليل لسائر المقومات الأخرى، لأنه ميزان العقل المكتشف والمبدع والقادر على تأمين الطاقات المتجددة والمستدامة لخدمة منظومة تطوير المجتمع ورفاهيته. والعامل الآخر هو الاقتصاد، وهو هدف استراتيجي لرفع المداخيل وتنويعها، وللاعتماد على الثروة البشرية، أي على قدرات الإنسان عبر تطوير إبداعاته واكتشافاته في المجالات الصناعية والتقنية في عصر اقتصاد المعرفة. ويشمل ذلك التخطيطَ لاقتصاد لا يعتمد على سلعة النفط، ولكنه يستفيد من عائداته لتعزيز المشاريع التطويرية للإنتاج والتصدير ومضاعفة المداخيل. إن الاقتصاد هو عصب مقومات الدول، وبازدهاره تزدهر وتنمو وتنهض، لذلك لابد من وضع الخطط الاقتصادية الدقيقة، والتطلع إلى مستلزمات المستقبل، والمبادرة إلى إنجازها، وذلك بدراسة أسواق المستقبل، وفتح آفاق التعاون مع دول العالم، والإفادة من الخبرات المتقدمة، وتكوين الإطار البشري القادر على صناعة اقتصادات المستقبل. وهذه العوامل كلها لا تقوم إلا بالفكر المنفتح والمتطور الذي تتبناه الحكومة الرشيدة، آخذةً بكل الأسباب العلمية، وهي تضع الخطط الاستثمارية، وتعد الكوادر ذات الكفاءة العالمية لتنفيذها على أكمل وجه. ولعل كل تلك المقومات، من تعليم واقتصاد وتطوير، تهدف أولاً وأخيراً إلى الأمن والأمان وإلى توفير السعادة، وبالتالي فمن الأهمية بمكان أن نتطلع إلى الترابط المجتمعي، بانتماء مخلص لهذه الدولة الخلّاقة، وتحفيز الأجيال على الإخلاص لهذه القيادة التي نذرت كل ما تملكه لشعبها، من سلطة ومحبة وجهد ومتابعة دائمين وتفكير إبداعي متجدد وسعي ومشاورات وفتح مجالات وإعداد جوائز وحوافز واستقبال آراء وحرية إبداع واكتشاف وتبني إنجازات وتقديم مشروعات وإقامة مؤسسات مجتمعية وعلمية ورعاية صحية وسكنية ورفاهية. ألا يجدر بنا اليوم جميعاً أن نلتف حول هذا النداء المخلص والأمل الكبير لتحقيق رؤية القيادة نحو المئوية 2071؟ رحم الله الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، وإخوانه حكام الإمارات الذين زرعوا البذور وحصنوها بالعناية والرعاية وسقوها بالصبر والأناة والجهد والإخلاص، وها نحن اليوم نحصد لنأكل من خير ذلك الزرع المبارك. وجاء دور خير خلف لخير سلف، لنشارك في ظل مسيرتهم التنموية في زرع بذور الخير والتطوير والاستدامة لمئوية إماراتية قادمة، لنحفظ لأجيالنا الثروات التي ورثناها، ونقوم بواجباتنا نحوها.. لقد زرعوا فأكلنا، وجاء دورنا لنزرع فيأكل الأبناء والأحفاد. محمد القبيسي كاتب إماراتي