هل حان الوقت أخيراً لاستقلال كردستان العراق؟ ربما لا يوجد كيان شرق أوسطي (باستثناء إسرائيل) يحظى بعلاقات أقوى وأمتن مع الولايات المتحدة من أكراد العراق، الذين يضطلعون بدور مهم للغاية في مواجهة تنظيم «داعش». ومع وجود المقاتلين المتطرفين في حالة تراجع وفرار الآن، يعتقد أكراد العراق أن الوقت بات مواتياً لتحويل منطقتهم شبه المستقلة إلى دولة ذات سيادة، حيث قرر زعماؤهم إجراء استفتاء طال انتظاره، يُطلب فيه من الأكراد العراقيين دعم الاستقلال. وفي هذا الإطار، قال لي رئيس الوزراء الكردستاني «نجيرفان بارزاني» في مكتبه هنا بعاصمة إقليم كردستان: «أجل، سيكون ثمة استفتاء هذا العام. لا شك في ذلك. لكن نتيجته لا تعني أننا سنحصل (على الاستقلال) بشكل فوري، وإنما سنظهر للمجتمع الدولي ما يريده السكان». بيد أن الأكراد لا يستطيعون النجاح من دون دعم أميركي، وواشنطن مازالت تشدد على ضرورة أن يبقى العراق بلداً موحداً. موقف ربما يحتاج لبعض التحديث. وربما حان الوقت لكي تركز واشنطن مجدداً على مستقبل الأكراد العراقيين. اليوم يُعد إقليم كردستان الجزء الأكثر استقراراً وتسامحاً في العراق، وقد تحول إلى ملاذ للمسيحيين وأقليات أخرى فارة من «داعش». وقد أصبحت المنطقة الكردية تكتسب أهمية كبرى بالنسبة للمصالح الأمنية الأميركية في المنطقة: فالأكراد يوالون الولايات المتحدة، وليست لديهم عداوة مع إسرائيل. كما أن الوكالات الإنسانية الأميركية تستطيع العمل بسهولة في كردستان. ومنذ أن بدأت المعركة ضد «داعش»، كانت المنطقة الكردية قاعدة لتجريدة محدودة من القوات الأميركية. وفي الأثناء، استطاعت القوات الكردية دحر «داعش» واستعادة أجزاء كبيرة من الأراضي العراقية «المتنازع عليها»، مثل مدينة كركوك. واليوم، يريد الأكراد تعزيز مكاسبهم، حيث يقول بارزاني: «لا يمكننا العودة إلى الماضي»، مضيفاً: «إن العراق بعد معركة الموصل ليس هو عراق ما قبل الموصل». غير أن الأكراد يدركون أيضاً أنهم يحتاجون لطلاق سلمي من العراق من أجل حل المشاكل المهمة المتعلقة بالحدود والنفط وخطوط الأنابيب والمالية. ويقول بارزاني في هذا الصدد: «إن موقفنا يتمثل في إجراء حوار مع بغداد والتوصل لحل ودي». إلا أنه «لم يتم إحراز أي تقدم» في الاجتماعات التي عقدت بين الجانبين حتى الآن. لكن هذا الحديث عن الاستقلال ألا يعد ضرباً من ضروب التعاظم والتباهي، ليس إلا؟ خاصة أن الأكراد يواجهون معارضة قوية من البلدان المجاورة، فإيران تعارض بشدة هذه الفكرة، وتضغط على الحكومة في بغداد لإبداء موقف حازم. ثم هناك تركيا التي تُعد موافقتها أساسية على اعتبار أن خطوط أنابيب نفط كردستان، الذي تحيط به اليابسة من كل الجهات، تمر عبر أراضيها. والواقع أن تركيا تجمعها علاقات سياسية واقتصادية جيدة مع أربيل. ويقول بارزاني ضمن تعليقه على هذا الموضوع: «رسمياً، لم نناقش هذا الموضوع مع تركيا، لكننا نعتقد أنهم مستعدون للإصغاء». غير أن تخيل موافقة تركية على هذا الأمر يبدو مفرطاً في التفاؤل وغير واقعي. ومع ذلك، فمن المهم أن تدرس واشنطن إمكانية استقلال كردستان. ذلك أنه عندما يُهزم «داعش»، سيصبح مستقبل الدولة العراقية المقسَّمة معلقاً. والطريقة الوحيدة التي يمكن للزعماء العراقيين أن يحافظوا بها على وحدة البلاد وتماسكها تكمن في التخلي عن الطابع المركزي للدولة وتبني اللامركزية على نحو يسمح للسنة المستائين في الموصل وغيرها بإقامة مناطق فيدرالية، والتفاوض حول صفقة جديدة مع الأكراد. ولا شك أنه إذا ذهبت بغداد في هذا الاتجاه، فإنها يمكن أن تستميل الأكراد وتُقنعهم بالبقاء ضمن العراق في إطار كونفدرالية (اتحاد يربط دولتين مستقلتين). غير أن هذه النتيجة ستتطلب جهود وساطة أميركية قوية لتضييق الهوة بين بغداد وأربيل ومواجهة الضغوط الإيرانية. فهل إدارة ترامب قادرة أو راغبة في مساعدة الأكراد على تحقيق أهدافهم؟ هذا غير واضح. لكن البيت الأبيض قد تغريه حقيقة أن إقليم كردستان سيوفر موقعاً مستقراً يمكن أن يصبح مقراً دائماً لقوات أميركية. ويقول بارزاني في هذا السياق: «إذا احتاجت الولايات المتحدة لقاعدة في كردستان، فإن قيادتنا سترحب بذلك». والخلاصة هي أنه إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في إحداث وزن مضاد لإيران وإرساء الاستقرار في العراق، فعليها أن تتعاطى مع الموضوع الكردستاني. ويقول بارزاني: «إذا كان الأميركيون يريدون عراقاً موحداً، فإنه عملياً لم يعد موجوداً»، ويضيف: «أما إذا كانوا يريدون الاستقرار، فعليهم أن يتعاطوا مع موضوع كردستان الجوهري». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»