خلال خمس سنوات قضيتها كسفير للولايات المتحدة في إسرائيل، لم أجد مسألة أكثر استعصاء على الحلول من مشكلة غزة. وقد تعلمت من خلال عملي، أن حروب غزة تتبع عادة روتيناً معيناً، تبدأ فيه «حماس» بتعزيز قدراتها الهجومية، وبعدها تبدأ التوترات في الظهور والتفاقم، ويبدو الطرفان وكأنهما يرغبان في تجنب التصعيد، ولكن حدثاً ما، ربما غير مقصود، يقود لتصعيد معدل إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وفي النهاية تعتبر إسرائيل أن هذه الاستفزازات من جانب غزة لم تعد تحتمل، فتقوم برد فعل أكثر قسوة. ويتبع ذلك صراع كامل تتسابق فيه مفاوضات إطلاق النار، مع صواريخ «حماس»، والضربات الجوية الإسرائيلية. ولسوء الحظ، هناك في الوقت الراهن مؤشرات متزايدة على أن هذه الدورة على وشك أن تبدأ من جديد. فالصواريخ تطلق من قبل الجماعات السلفية على إسرائيل، وإسرائيل توجه ضربات جوية. وعلى رغم قلة عدد الخسائر على الجانبين حتى الآن، إلا أن الملاحظ أن تبادل إطلاق النار بينهما صار يتكرر كل عدة أيام. وهناك عوامل أخرى ترجح احتمالات التصعيد بين الجانبين منها، أن القائد الجديد لـ«حماس» في غزة «يحيى السنوار» أكثر تشدداً، وأكثر قرباً من «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري للحركة، من سابقه؛ ومنها أن الأحوال الاقتصادية في القطاع ما زالت صعبة حتى الآن، على رغم الزيادة الكبيرة في كميات البضائع المسموح بمرورها إلى غزة، إذ تتراوح ما بين 700 إلى 800 شاحنة يومياً وكذلك زيادة معدلات البطالة في القطاع، التي بلغت وفقاً لتقديرات البنك الدولي، 40 في المئة؛ وفشل البرامج الرامية لزيادة الصادرات من القطاع في الانطلاق؛ وفوق ذلك الوتيرة غير المنتظمة التي تتدفق بها الإيرادات إلى «حماس»، ما يؤدي لعدم قدرتها على دفع رواتب الموظفين. ويضاف إلى تلك العوامل أيضاً، تقليص إسرائيل لعدد أذونات الدخول المقدمة لأبناء غزة، بحجة أن هناك معلومات استخبارية، تفيد بأن «حماس» تحاول الاستفادة من حاملي أذونات الدخول لتخطيط، أو تسهيل، شن هجمات إرهابية في الضفة الغربية أو إسرائيل. وهناك أيضاً الاهتمام المفاجئ الذي تبديه إدارة ترامب بموضوع الدعوة لمحادثات سلام إقليمية، والذي يمكن، وبسهولة، أن يوفر حوافز للتصعيد من قبل «حماس» التي تخشى أن يتم تجاهلها إذا بدأت المحادثات بين الإسرائيليين والعرب، بغية إظهار أهميتها، وإثبات قدرتها على فرض «فيتو» على عمليات السلام الإقليمية. وربما يمثل الوقت الحالي توقيتاً سيئاً للتصعيد من جانب «حماس». فالحركة تحاول في الوقت الراهن النأي بنفسها عن «الإخوان المسلمين»، لتحسين موقفها تجاه مصر التي تتحكم في معبر رفح، وهو الممر الوحيد الذي يمكن للمواطنين وقادة «حماس» مغادرة القطاع عن طريقه. كما أن «حماس» تناقش في الوقت الراهن أيضاً مسألة إجراء تعديلات على ميثاقها الذي يدعو لتدمير إسرائيل؛ وهي تعديلات لو تمت الموافقة عليها، فيمكن أن تبرر الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967 (حتى من دون الاعتراف بإسرائيل). ومع ذلك، من المهم الإشارة هنا إلى أنه لم يتغير شيء جوهري في استراتيجية «حماس» الرامية لتدمير إسرائيل؛ كما لم يتغير شيء، فيما يتعلق بحاجة الحركة للتنافس مع حركة «فتح»، على الفوز بولاء الفلسطينيين. كما تقوم «حماس» إلى جانب ذلك، بتعزيز قدراتها في مجال إنتاج أسلحة محلية مثل الصواريخ على سبيل المثال، وتستثمر في الأنفاق الهجومية، كي تكون مستعدة للجولة التالية من الصراع. ويشعر المرء بأن هذه الجولة قادمة، مثل تغيير الفصول. ولكن على النقيض من تغير الفصول، التي لا سبيل لتجنبها، أرى أن هناك طرقاً للتعامل مع هذه الجولة المتوقعة من الصراع لتجنبها، أو تخفيفها، قدر الإمكان. دانييل شابيرو السفير الأميركي السابق في إسرائيل ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»