بصورة أو بأخرى، استخدم أو سيستخدم كل إنسان على سطح هذا الكوكب نوعاً أو آخر من أنواع الأدوية والعقاقير الطبية، في وقت ما من حياته، إمّا لعلاج مرض أصابه، أو للوقاية من مرض يحتمل أن يصيبه. إلا أنه على رغم أهمية وفائدة الأدوية والعقاقير الطبية في الحياة الإنسانية، فإنها تتسبب أحياناً في ضرر بالغ إذا ما تمّ تناولها بشكل خاطئ، أو لم تتم متابعة متلقيها بشكل سليم، أو نتيجة خطأ، أو حادث، أو عدم التواصل بشكل سليم. ويتضح حجم الضرر الذي تتسبب فيه الأدوية والعقاقير الطبية من حقيقة أنّه في الولايات المتحدة وحدها، يلقى كثيرون حتفهم كل يوم، ويتعرض آخرون كثر للأذى البالغ كل عام، بسبب الأدوية والعقاقير الطبية. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن الولايات المتحدة تعتبر من أغنى دول العالم وأكثرها تقدماً، وتتمتع بنظام رعاية صحية حديث، فيمكن ساعتها أن نستنتج حجم الضرر الذي تتسبب فيه الأدوية والعقاقير الطبية من المنظور العالمي. وبخلاف الثمن الإنساني الناتج عمّا تتسبب فيه الأدوية والعقاقير الطبية في شكل وفيات وضرر صحي، يقدر أيضاً أن الضرر الاقتصادي الناتج عن الخطأ في استخدام الأدوية والعقاقير الطبية يبلغ أكثر من 42 مليار دولار، أو واحداً في المئة من إجمالي الإنفاق العالمي على الرعاية الصحية. وفي الوقت الذي تتماثل فيه معدلات الأضرار الجانبية للأدوية والعقاقير الطبية في الدول متوسطة الدخل والدول النامية، مع معدلاتها في الدول الغنية والصناعية، فإن وقع هذا الضرر وتبعاته يبلغ ضعف وقعه في الدول متوسطة الدخل والنامية، على صعيد عدد سنوات الصحة والعمر المفقودين. وربما يعود هذا الفارق إلى قدرة وإمكانيات نظم الرعاية الصحية في الدول الغنية والصناعية على التعامل مع الآثار الجانبية الضارة للأدوية والعقاقير، مقارنة بإمكانيات وقدرات نظم الرعاية الصحية في الدول النامية. وأمام هذا الوضع، أطلقت منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع، مبادرة تهدف إلى خفض الأضرار المصاحبة لاستخدام الأدوية والعقاقير، بنسبة 50 في المئة، في غضون 5 أعوام. وهذه المبادرة التي تحمل اسم «التحدي العالمي لسلامة المرضى وأمن العقاقير» تهدف إلى مواجهة نقاط الضعف في نظم الرعاية الصحية، التي تؤدي إلى الخطأ في استخدام الأدوية والعقاقير الطبية، وينتج عنها ضرر بالغ للمرضى. وتُعَدد هذه المبادرة الإجراءات والتدابير التي يمكن من خلالها تحسين السبل التي توصَف، وتُوزع، وتُستهلك من خلالها الأدوية والعقاقير الطبية، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعي بين المرضى بالمخاطر المرتبطة بسوء استخدام الأدوية والعقاقير الطبية. وتندرج الأخطاء في وصف واستخدام الأدوية والعقاقير الطبية، تحت المظلة الأوسع للأخطاء الطبية، التي يمكن إدراك حجمها من بعض التقديرات التي تشير إلى أن واحداً من بين كل عشرة أشخاص، أو 10 في المئة ممن يدخلون إلى المستشفيات للعلاج، يتعرضون لضرر صحي وبدني نتيجة ما يتلقونه من علاج، أو بالتحديد نتيجة للخطأ الطبي. ومن بين هؤلاء، يصاب 6 في المئة بعجز دائم أو عاهة مستديمة، بينما يلقى 8 في المئة حتفهم نتيجة تلك الأخطاء. وهذه الأرقام تضمنتها دراسة صدرت عن معهد الطب الأميركي (Institute of Medicine)، وأظهرت واقع الأخطاء الطبية وتكلفتها الإنسانية في أكثر دول العالم تقدماً في العلوم الطبية، وأكثرها إنفاقاً على الرعاية الصحية والعلاج. ولا يختلف الوضع كثيراً في بريطانيا، حسب دراسة صدرت عن الوكالة الوطنية لسلامة المرضى، وقدرت أن الأخطاء الطبية مسؤولة عن وفاة 72 ألف مريض سنوياً في المستشفيات البريطانية. وعلى صعيد الأدوية والعقاقير الطبية، يمكن أن ينتج الخطأ وما يؤدي إليه من ضرر بالغ، من أعضاء الفريق الطبي، أو من المريض نفسه، خلال أيام من المراحل المختلفة، سواء عند وصف الدواء، أو تحضيره، أو صرفه للمريض، أو تناوله، أو من الجرعة الخطأ، أو الوقت الخطأ لتعاطيه. وعلى رغم تنوع المراحل التي يمكن أن يقع فيها الخطأ الذي يتسبب في الضرر، فإن الحقيقة هي أن جميع تلك الأخطاء على اختلاف أنواعها، من الممكن تجنبها. وإن كان ذلك يتطلب وضع التدابير، واتخاذ الإجراءات، التي تضمن أن يتلقى المريض دواءه الصحيح، وبالجرعة المحددة، وفي الوقت المناسب، إذا كان لنا أن نجابه بشكل فعال إحدى أهم المشاكل التي تواجه نظم الرعاية الصحية الحديثة.