في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وبعد تفكيك جيشه، عمّت الفوضى في البلاد. بدايةً تأسست «القاعدة في العراق» عام 2004 ومنها أنبثقت «داعش» بزعامة الزرقاوي. وفي 2008 انهزمت على أيدي صحوات العشائر في الأنبار، فهربت إلى سوريا. في 2013 عادت للعراق، وأعلنت نفسها «دولة العراق والشام». واللوم على الإدارة الأميركية والرئيس أوباما بسحبه الجيش الأميركي الذي ترك فراغاً وفوضى عارمة. المجموعات المتمردة شكلت مقاومة ضد الاحتلال الأميركي والحكومة الشيعية. هذا الموقف أغضب الأميركيين على السنّة. بشار الأسد والإيرانيون أخذوا يدعمون المقاومة السنية، بغية الإضرار بأميركا لأهداف سياسية، ولإبعاد السنة عن أي تقارب سياسي مع أميركا. كان ذلك غباءً سياسياً من الحركة السنّية التي ركزت على رد الفعل من دون الفعل نفسه، بينما الشارع الشيعي لم يحرك ساكناً سوى صراخ مجموعة الصدر. وبسبب فتوى المرجع الشيعي السيستاني بعدم محاربة الجيش الأميركي، زاد التقارب السياسي الشيعي مع واشنطن التي نصبت حكماً شيعياً، كهدية مجانية، بعد خسارة أميركا أربعة آلاف عسكري وسقوط 20 ألف جريح، ليرضوا بذلك نظام إيران لما قدّمه من تسهيلات في إسقاط صدام حسين وضرب «طالبان». ما يجري في أتون الحرب في سوريا والعراق، أن القاتلين والقتلى مسلمون؛ إرهابيون داعشيون، إرهابيون فاطميون أفغان، وإرهابيون زينبيون، إرهابيو عصائب الحق، وإرهابيو فرقة بدر، يقودهم كبيرهم هبل «حزب الله». وفي العراق إرهابيو «الحقد الشعبي» وهم طرائق قددا، يشتركون في «ذهنية داعش» حسب الدكتور بهجت قرني: ليس هناك فرصة أمام «داعش» للانتصار عسكرياً، لكن الأخطر هو «البنية الذهنية لنمط التفكيرالذي تمثله داعش»، فهو بذرة شيطانية تتلبس من يلامسها حتى من خارج الأسوار. هذا النمط من التفكير خطورته تتجلى في عالم الفضاء المفتوح عبر الطرق السريعة، وهي تحتاج لمجابهة نوعية، فكراً وقتالاً، متحالفة عالمياً وجادة. غير أن هناك دولاً، مثل إيران، حاضنة للإرهاب، تتخذه ورقة للابتزاز وللمساومة في تعاملها مع القوى الكبرى، وهي تسّوق لنفسها بإيجابية لمسح تاريخها من أذهان الناس، بما عرف عنها من عنف، سواء في التفجير، وقتل المعارضين، وإيواء قادة الإرهاب، أمثال الزرقاوي وأبوغيث، وغيرهما من أعضاء «القاعدة» وعائلاتهم. وهي المستفيد الأول من وجود «داعش»، ونشر الفوضى، واتخاذ العراق معبراً نحو سوريا. لكنها تحاول إبعاد الشبهة، بشيطنة السنّة وتصويرهم كـ«إرهابيين»، لتظهر هي أمام الغرب كما لو أنها دولة مسالمة. ما سر انتشار «داعش»؟ ومَن يؤمِّن لها مستلزماتها على عدة جبهات في وقت واحد؟ النظامان السوري والإيراني هما المستفيدان الرئيسان، وبالطبع لا نستبعد وجود فوائد لإسرائيل من استمرار «داعش» وحروبها في المنطقة، وكذلك بعض دول الغرب. ويجدر بنا أن نمعن النظر في تعليمات نوري المالكي، بأمر من طهران، بانسحاب الجيش العراقي من الموصل، تاركاً وراءه معدات وذخائر كبيرة، مدت «داعش» بكل احتياجاتها العسكرية والمالية بهدف إحالة الموصل إلى «محافظة إرهابية»، يقام عليها حد الحرابة، وينشر على الإنترنت وسم يصف سكانها بـ«#الإرهابيون السنّة». وهذا ما حدث لاستكمال الهلال الشيعي، ولكي تسجل أميركا في الموصل انتصاراً موازياً لانتصار روسيا في حلب، لتتعادل كفة النفوذ. وبين الأهداف الرئيسة، هناك أيضاً الاقتصاد، لاسيما طاقة المستقبل، حيث توجد مادة «الثوريوم» في الموصل. الدواعش لا يعون سوى أنهم سلموا أنفسهم للموت، كأنهم إلى نصب يوفضون، ولا يدركون تحت أية راية يقاتلون، فهم مهووسون بـ«أوهام الخلافة» كأنهم «يبحثون في غرفة مظلمة عن قطة سوداء لا وجود لها أصلاً»، كما يقول هيجل.