مضى الزمن الذي كان فيه الإنجليزي أو الفرنسي، عندما يدخل الإسلام، يكثر من التوبة والاستغفار، ويبادر إلى الحج وأعمال الخير، وجاء زمن ما أن يترك فيه المتحول الأوروبي الجديد دينه السابق على يد شيوخ «داعش» حتى يسارع إلى استئجار سيارة مرتفعة قاتلة، يدهس بها المارة من رجال ونساء وأطفال، وربما اندفع بها «مفخخةً» بالمتفجرات، وسط جمع من الأبرياء منتحراً وقاتلاً معه العشرات. عندما انطلقت التعليقات عقب الهجوم الإرهابي الذي ضرب لندن على يد المسمى خالد مسعود، الداعشي حديث عهد بـ«الإسلام»، قبل نحو أسبوعين، قالت الصحف إن الكثير من أبناء الجالية الإسلامية في مدينة «برمنجهام»، تمنوا ألا تكون للإرهابي صلة بمدينتهم التي يمثل المسلمون 20% من سكانها. لكن «سرعان ما حلقت الطائرات المروحية صباح اليوم التالي في أجواء برمنجهام، حيث اتضح أن منفذ الهجوم كان من سكان المدينة». لقد قتل خالد مسعود بالسكين أحد حرس البرلمان، واندفع بسيارته نحو المارة، ليقتل أربعة أشخاص ويصيب خمسين آخرين، قبل أن تطلق عليه الشرطة النار، حيث توفي لاحقاً جرّاء إصابته. وقد أكد المحققون أن الهجوم الذي نفذه مسعود انتهى خلال 82 ثانية فقط! ما يخيف الجميع حقاً ليس فقط قصر المدة التي يمكن خلالها ارتكاب أبشع الأعمال الإرهابية، وإنما كذلك رخص أدوات القتل، وعدم إثارتها للشك، كاستخدام السيارة أو الدراجة النارية أو الدخول بشاحنة في شارع أو زقاق! حادث الإرهاب حول البرلمان البريطاني، كما يلاحظ الدكتور مأمون فندي، «لم يكن سيارة تحمل طناً من المتفجرات، ولم يدبره رجل يحمل مدفعاً رشاشاً، وإنما رجل يحمل سكيناً قتل بها رجل الشرطة، وسيارة مستأجرة خرجت عن الطريق فقتلت وجرحت كثيراً من المارة». حتى أدوات جريمة 11 سبتمبر 2001 في نيويورك التي دشنت «عصر الإرهاب الدولي»، وقلبت أحوال الهجرة والسفر وأذاقت العرب والمسلمين الأهوال في الحل والترحال، لم تكن أدواتها مكلفة. لم يكن مع الإرهابيين، يقول الدكتور فندي، «سوى تذكرة طائرة، ومع ذلك اختطفوا أربع طائرات، اثنتان منهما اصطدمتا ببرج التجارة العالمي، والثالثة سقطت إلى جوار مبنى البنتاغون، والرابعة سقطت في بنسلفانيا. فالإرهاب له طرقه ووسائله التي لا ترتبط كثيراً بالتكنولوجيا بقدر ارتباطها بمساحات الضعف في بنية المجتمعات الحديثة، والتي تعطل أجهزتها رسالة من كومبيوتر في أدنى الأرض». «الشرق الأوسط، 27-03-2017». الجميع يتحدث الآن عن صعوبة مطاردة كل السيارات في الشوارع خوفاً من الإرهاب والدهس.. «والذئاب المنفردة» المرتبطين بـ«داعش» وخلاياها النائمة. الناطق باسم تنظيم «داعش»، «محمد العدناني»، كان قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم «إلى قتل رعايا الدول في أي مكان، باستخدام أي سلاح متاح من دون العودة إلى قيادة «داعش» أو حتى الانضمام إليه تنظيمياً! وكما أن هناك جامعات حرة، هناك أيضاً مدارس وأكاديميات ونواد للإرهاب حرة، وبلا رسوم عضوية! ويرى الخبراء أن عدد ملبي نداء «العدناني» في تزايد، مهما كانت صلة أمثال خالد مسعود الحقيقية بتنظيم «داعش». وأبدى الدكتور جيل كيبل، الباحث الفرنسي المتخصص في مجال الإسلام السياسي، ملاحظات قيمة في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو» نشرتها «القبس» الكويتية في 28-03-2017، حيث قال: «إن عدد سكان برمينجهام من العرب قليل جداً، ذلك أن الغالبية من الهنود والباكستانيين. وعمْر المهاجم (52 عاماً) يدل على أن الفعل الذي ارتكبه ليس نتيجة عدم الاندماج، مثلما يحصل مع شاب». وأضاف أن تجربة الإنجليز في إيصال عمدة مسلم كان إلى وقت قريب عضواً في منظمات إسلامية، على افتراض أن ذلك سيسمح بمراقبة أفضل للشبكات وتجنب العنف.. لم تنجح. وأضاف أن البعض قال: إن العمليات الإرهابية التي استهدفت فرنسا خاصة كانت بسبب «نموذجها العلماني». وربما كان ماضي فرنسا الاستعماري والعلماني والبطالة الكبيرة عوامل فاقمت الحالة في فرنسا، لكن ألمانيا لم تسلم من الهجمات الإرهابية، مع تدفق المهاجرين إليها، ورغم أنها لا تملك ماضياً استعمارياً، وتتبع نموذجاً يعترف بالدين. وعن هجمتي مطار «أورلي» في فرنسا و«متحف اللوفر» يقول كيبل: «إن الهجمة التي استهدفت مطار أورلي لم يتبنها (داعش)، رغم أن منفذها يبدو إرهابياً رخيص التكلفة، لا يتبع تنظيمات، فهذا الرجل أوقف في السابق بسبب اعتداء وتهريب مهدئات كما تعرف على إسلاميين في السجن. وعادة ما يؤكد السجناء الإسلاميون للمنحرفين بأن جرائمهم هي في الحقيقة معركة ضد الإلحاد وجهاد. فزياد بن بلقاسم، منفذ هجوم أورلي الفاشل، كان يعتدي باسم الله ويدعي الإسلام، حين ينفذ اعتداءاته، وكان يحمل مصحفاً في حقيبة الظهر، لكنه أيضاً كان يدخن ويحتسي الخمر ويتعاطى الكوكايين». ما العمل إذن مع إرهابيين كهؤلاء؟