الإمارات قدّمت دروساً عملية في مجال التوظيف الأمثل للثروة وكل الطاقات من أجل الارتقاء والحفاظ على مؤشرات تنافسية عالمية مثّلت القمة العربية التي انعقدت الأسبوع الماضي في الأردن، محطة جديدة للعقل العربي غير الرسمي لإنجاز مكاشفة مع الذات، وبخاصة أن الأجيال العربية الجديدة لديها من الذكاء والفطنة ما يجعلها تسمي الأشياء بمسمياتها. وقد حفلت وسائل التواصل الاجتماعي بتغطيات أخرى موازية للقمة العربية، تغطيات ناقدة ومتأملة للواقع الراهن من منظور مختلف، لأن الأجيال الشابة تبحث عن السعادة الحقيقية وليس عن الشعارات والأوهام الأيديولوجية المخادعة التي ظل البعض يروجونها، وفي نهاية المطاف تركوا شعوبهم تتقاتل في طوائف وجماعات، وتؤجل بناء الدولة الحديثة المعنية بالتنمية وليس بتشجيع مواطنيها على الهجرة والنزوح. وبقدر فخرنا في الإمارات بأن دولتنا الفتية تقع ضمن المساحة الأكثر إشراقاً وتقدماً من الخريطة العربية، بقدر ما نأسف لحال بقية الدول التي لا تزال غارقة منذ عقود في مواجهة قائمة طويلة من الإشكالات التي يندرج أغلبها في خانة أساسيات بناء الدولة وأنظمتها المعاصرة، بكل ما يعنيه ذلك من التزامات طبيعية للحكومات تجاه إرساء النظام والقانون وتهيئة المناخ الاجتماعي للشروع في البناء والتنمية. قد يقول البعض بأن الثروات الطبيعية تلعب دوراً استثنائياً في الإمارات ومنطقة الخليج في مجال تمويل مشروعات التنمية وكل ما يتعلق بتحقيق الرفاهية والاستقرار السياسي والأمني. ورغم أن هذا أمر لا يمكن تجاهله، فالواقع يخبرنا عبر نماذج عديدة في عالم اليوم أن الثروات وحدها لا تكفي لصناعة التفوق وحماية الاستقرار وتوفير الرفاهية، بدليل أن دولا عربية أخرى لديها احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، لكنها لم تنجح في إقامة مشروعات إسكان معتبرة، كما لم توفر لمواطنيها الأمن النفسي والاجتماعي، حيث يهاجر معظمهم إلى فرنسا وإيطاليا وغيرها من الدول الغربية، ويقومون بإحراق هوياتهم بمجرد الوصول إلى أوروبا، وهذا يدل على أن الثروة وحدها غير مؤهلة لتحقيق الاستقرار ما لم يتم توظيفها ضمن منظومة عمل متكاملة ومتجانسة تهدف للنهوض بالواقع ونقله من مرحلة التخلف إلى مرحلة التقدم. ولا يزال نموذج القذافي في ليبيا شاهداً على سوء توظيف الثروة والفشل في الحكم. وهناك بلدان أخرى لديها ثروة مثل ليبيا لم يحالفها النجاح ولم تصنع الكثير بثروتها. ومن عناوين الفشل الأكثر بروزاً في حالة الدول المتخلفة، انعدام سيادة القانون وانتشار الفوضى وسوء المنظومة التعليمية وضعف البنية التحتية وتفشي الجهل والدجل والشعوذة والتطرف والإرهاب والترويج للحلول الوهمية. لقد قدّمت دولة الإمارات دروساً عملية في مجال التوظيف الأمثل للثروة وكل الطاقات من أجل الارتقاء والحفاظ على مؤشرات تنافسية عالمية. وإذا كان لابد من التذكير بأهم عناوين التجربة الإماراتية، فيمكن تلخيص عوامل النجاح هنا في الارتكاز على منظومة متكاملة من الأداء، تصب كلها في خانة معطيات التقدم. ويلاحظ أن الإمارات عملت على تلبية مؤشرات ومقاييس التنمية الإنسانية الحديثة في عمليات البناء والتنمية منذ قيام دولة الاتحاد. وكل مؤشر حققت فيه الإمارات نقلات نوعية بارزة. وعلى صعيد البنية التحتية القوية والمتميزة، تم استثمار الكثير في هذا القطاع الحيوي، لذلك تصنف شبكة الطرق والمواصلات في الإمارات ضمن أحدث الشبكات العالمية. وفي قطاع التعليم ابتعثت الإمارات دفعات متتالية من شبابها إلى أفضل جامعات العالم، ثم عززت التعليم الأكاديمي، وافتتحت فروعاً لتلك الجامعات في الدولة. ومن أكثر ما يلاحظه القادمون إلى الإمارات سيادة القانون والنظام. ورغم كل ما تحقق، لا تزال قيادة الإمارات تضع سقفاً عالياً لمنجزات المستقبل.