بعد شهرين على الانتقال السلمي للسلطة في الولايات المتحدة، وانتهاء الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما، نشرت مساعدته ونائبة كبير الموظفين السابقة في البيت الأبيض «أليسا ماستروموناكو» مذكراتها التي عنونتها: «مَن كان يظن أنها فكرة جيدة؟». وتخاطب «ماستروموناكو»، التي عملت مع أوباما عشرة أعوام، بكتابها الجديد، الشبابَ الأميركي الذي يبدأ حياته العملية، وهو يضم مجموعة من المذكرات وملخصَ مقترحات بشأن كيفية المضي قدماً وتطوير المهارات في سنّ مبكرة. وتُشير المؤلفة، ابنة ولاية نيويورك المولودة في فبراير عام 1976، والتي تصف نفسها ب «توني»، إلى أنها عملت في البداية موظفة لبيع البقالة في أحد المتاجر «سوبرماركت»، وهي واحدة من الوظائف الكثيرة التي برعت فيها، قائلة: «كنت أحب أيام العروض والأربعاء السابقة لعيد الشكر، لأنها تضع مهاراتي في التعبئة قيد الاختبار». وتخرجت الطالبة المجتهدة من جامعة «ويسكونسن» في «ماديسون»، ومن ثم وجدت عملاً كمساعدة محام في إحدى المؤسسات القانونية بمانهاتن، وهي وظيفة ربما يراها البعض تفتقر إلى الجاذبية أو الإثارة. لكنها نذرت نفسها للعمل، ما دفع زملاءها إلى وصفها بـ«المساعدة السوبر»، وهو ما ظنته في البداية «مجاملة». وبعد ذلك انتقلت «أليسا ماستروموناكو» للعمل كمساعدة لأحد وسطاء العقارات الفاخرة في «سوذبيز»، حيث تقول عن هذه التجربة: «بدلاً من أن أسخر من ولعه بالعقارات الفاخرة، سرعان ما تأقلمت مع الأمر، وأحببت بشكل خاص مهمة إعداد المنشورات الدعائية، وإقناع العملاء، وكانت لدي مجموعة من العقارات المفضلة، وبدا الأمر ممتعاً بالنسبة لي». لكن بالنسبة لكثيرين من الشباب ذوي التوجهات اليسارية الباحثين عن عمل في الولايات المتحدة (ولاسيما هؤلاء الذين تأثروا بالمرشح الديمقراطي السابق للرئاسة «بيرني ساندرز»، مثل «ماستروموناكو»)، لربما بدت تجربة «أليسا» في «سوذبيز» غير عصرية ومملة بدرجة كبيرة. لكن مثلما توضح المساعدة السابقة لأوباما، فقد «ثبت لي أنها كانت وظيفة ثمينة، إذ كانت سبباً في نجاحي لاحقاً». وعندما وجدت أنها ترغب في ممارسة العمل السياسي، وأجرت مقابلة للعمل في وظيفة بحملة «جون كيري» للانتخابات الرئاسية، لم تكن تعتقد أن لديها ذلك القدر الكبير من الأمل. لكن بعد المقابلة، سمعت شخصاً يتحدث عنها قائلاً: «لقد عملت في (سوذبيز)، لذا لابد أنها جيدة»، وهو ما قاد الكاتبة إلى تقديم نصيحة مهمة بشأن العمل: «التحرك إلى الأمام دوماً أفضل من التوقف!». وهكذا انتقلت «ماستروموناكو» من «السوبرماركت» لتصبح عضواً في حملة «كيري»، مرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2004، ومنها إلى مكتب أوباما في «مجلس الشيوخ»، قبل أن تصبح عضواً في فريق حملته الرئاسية التي قادته إلى البيت الأبيض في عام 2008، لتصبح المؤلفة في موقع المسؤولية مع أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأميركية. وعلى الرغم من أن أسلوب الكتاب، الذي ألفته بمساعدة من «لاورين أويلر»، قد لا يبدو شيقاً في بعض صفحاته، إلا أنه يبلي بلاءً حسناً، لاسيما أنه يحمل رسالة خاصة إلى الشباب والشابات حول العمل بجد وحول المواقف الجيدة التي يمكن أن تقود الإنسان إلى أبعد مما يتصور أو يحلم به في بعض الأحيان. و«ماستروموناكو» امرأة صاحبة إنجازات كبيرة، ورغم بساطتها فإنها لا تزعم إخفاء إنجازاتها. وأثناء سنوات عملها في البيت الأبيض كان لديها خطا هاتف آمنين في شقتها، وفي ردها على إعصار «ساندي»، استعانت الإدارة الأميركية بخبرتها في تنسيق أعمال البنية التحتية للنقل والوقود المصفى على مدى بضعة أيام. ولعل إشارتها في الكتاب إلى أنها كانت «تساعد في إدارة الدولة بطريقة محدودة»، هي إشارة صحيحة إلى حد كبير، ولعل ذلك ما جعلها ضمن قائمة «أقوى النساء الأقل شهرة في واشنطن». وخلال عملها في البيت الأبيض، تعيّن عليها التعامل مع شيء لا يضطر كثير من الناس للتعامل معه في بداية مشوار حياتهم المهنية، ألا وهو «التعقيدات الخاصة بأداء وظيفة مهمة في سني فترة الشباب». وربما تكون هذه قصة نجاح مهني، لكنها لم تخل أيضاً من جانب إنساني واضح. ومثل كافة الفتيات في عمرها، فقد وجدت «أليسا ماستروموناكو» من يتقدم للزواج بها، وفي اليوم التالي، احتفلت بتلك المناسبة مع السيدة الأميركية الأولى «ميشيل أوباما» على متن الطائرة الرئاسية. وبعد وقت قصير، استقالت من وظيفتها التي كانت تسبب لها توتراً شديداً، ولم تفارقها دموع وداع أوباما والبيت الأبيض. وبالتزامن مع نشر الكتاب، انتشرت أيضاً صور لـ«كليان كونواي»، مستشارة ترامب، بينما كانت تجلس بحذائها ذي الكعب العالي على أريكة في المكتب البيضاوي، وكانت شاردة بالنظر في هاتفها المتحرك، أثناء لقاء تاريخي لرئيسها مع أساتذة جامعيين سود تمت دعوتهم للقاء ترامب. وتكشف السيرة الذاتية جانباً، ربما لم تقصده «ماستروموناكو»، ألا وهو: الاحترام الشديد الذي كانت توليه الإدارة السابقة لمنصب الرئاسة وللبيت الأبيض في حد ذاته، إذ تشير إلى أنها في اليوم الأول من توجهها للمبنى الرئاسي، عندما تم اصطحابها مع أحد زملائها في جولة في المكتب البيضاوي: «رغم أن الباب كان مفتوحاً، لكننا وقفنا عند عتبته، إلى أن أقنعونا بالدخول، حيث بدا وقار الرئاسة واضحاً على كل شيء». ولم يكن أحد يجلس بـ«الكعب العالي» على الأثاث، ولا يرسل أحد المتحدث الصحفي باسمه للإدلاء بتصريحات غير دقيقة، ولم يكن أحد يوقف دراجات نارية في الباحة الأمامية للبيت الأبيض..! وتقول عن أوباما: «لم يصرخ أبداً أو يقلل من شأن أحد، وكانت طريقته الوحيدة في التعبير عن الاستياء من أي تصرف لأحد الموظفين، هو رفع حاجبيه».. ويبدو أن البيت الأبيض ودّع مع أوباما كل تلك القواعد والأخلاقيات! وائل بدران الكتاب: مَن كان يظن أنها فكرة جيدة؟ المؤلفة: أليسا ماستروموناكو الناشر: تويلف تاريخ النشر: 2017