كلهم، في سدة السلطة، يمين. فاليمين يمين، واليسار يمين، والوسط يمين، ولم يعد أحد يخفي ذلك، بل الكل ينحدر نحو اليمين المتطرف. هكذا هي الخريطة السياسية لإسرائيل اليوم. لم يعد هناك حمائم سوى ما ندر. كلهم صقور يلتقون على ضرب الشعب الفلسطيني وتحقيق حلم «الدولة اليهودية» على كامل أرض فلسطين، وإن حدث خلاف بين حزبين أو في أحد الأحزاب الإسرائيلية الحاكمة، فهو من أجل تلك الدولة فقط. «موشيه يعلون»، الليكودي ووزير الحرب السابق، أحد هؤلاء، وهو الذي قدم استقالته إثر خلافات بينه وبين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. «يعلون» أنهى فترة رئاسته للأركان في عام 2005، ثم اتجه بعد تقاعده -كما هي عادة كثير من القادة العسكريين الإسرائيليين- إلى عالم السياسة، ودخلها من جهة اليمين، وبات من أبرز زعماء حزب «الليكود» ليصبح وزيراً للحرب في حكومة نتنياهو اعتباراً من 2013 حتى استقالته. «يعلون» تحدث عن توجهاته السياسية بالتفصيل في كتابه «طريق طويلة قصيرة»، الذي صدر في سبتمبر 2008. وهو، في الكتاب، يرى أن «خطة الانفصال في 2005 هي التي أدت إلى صعود حركة «حماس» في قطاع غزة بعد بضعة أشهر من تنفيذ الخطة، وبهذا يبرر «يعلون» معارضته خطة الانفصال، ويشدد: «بما أن كل انسحاب يولد موجة من (الإرهاب) في الوقت الراهن، فإنه يتعين على دولة إسرائيل ألا تقوم بأي انسحابات أخرى». ويزعم يعلون أن المستوطنات «ليست أصل الدافع الفلسطيني للقيام بالعمليات (الإرهابية)، وإنما السبب الرئيسي للإرهاب يكمن في التربية الفلسطينية»! بعد الاستقالة، قال يعلون صراحة: «للأسف تسيطر عناصر خطيرة ومتطرفة (لم يحددها بالاسم) على إسرائيل وعلى الليكود، هذا ليس الحزب الذي انضممت إليه.. وللأسف فإن سياسيين كباراً اختاروا التشرذم وانقسام الصفوف بدلاً من توحيد الصف». يعلون حذّر السياسيين: «الجيش الإسرائيلي قد يتحول إلى داعش»، وذلك على خلفية اتساع تأييد عمليات الإعدام الميدانية للفلسطينيين، «خاصة إذا كان السياسيون هم من يضعون قواعد إطلاق النار وليس ضباط الجيش». لم يخف يعلون يوماً مواقفه السياسية، فرغم أنه عسكري والعرف الإسرائيلي يفرض عليه عدم التعبير عن آرائه السياسية والاكتفاء فقط بتقديم توصيات للحكومة، فإنه كان من أبرز الضباط الذين كسروا هذا العرف، ولطالما أبرز مواقفه ذات الطابع اليميني المحض، حتى ضد السياسة الأميركية. ففي مقابلة مع شبكة الـ«بي بي سي» في مطلع 2015، أعلن: «اختلفنا مع الأميركان بشأن ما حدث في مصر وتعاملها مع الإخوان، وقبلها في السماح لحماس بالمشاركة في الانتخابات، وكانت دائماً هناك خلافات في إدارة الملف السوري، ولدينا خلاف كبير معهم الآن حول الاتفاق النهائي مع إيران». كما انتقد «يعلون» دوماً الساسة الإسرائيليين، الذين، حسب رأيه، «ساهموا في اتخاذ قرارات خطيرة تخص أمن إسرائيل، لاسيما تلك المتعلقة ببعض الانسحابات من مدن الضفة الغربية، وإزالة عدد من الحواجز العسكرية»، مضيفاً أن «هؤلاء الساسة، أو بعضهم على الأقل، اتخذوا هذه القرارات بناءً على حسابات شخصية بحتة». وفي مقال له بعنوان «الفساد والأمن القومي»، كتب يعلون يقول: «إن معظم الخطط المبنية على أساس الانسحابات من الضفة الغربية تعرض عبر تجاهل تجاربنا المتكررة لحل الصراع بيننا وبين الفلسطينيين. والفلسطينيون سوف يفرحون للحديث عن خرائط، لأنهم في وضع كهذا يأخذون فقط ولا يعطون شيئاً. ليس هناك سلام لأن هناك رفضاً فلسطينياً. والسلطة الفلسطينية، التي تعتبر معتدلة، تكفر بحقنا في وطن قومي. أما من لا يفهم هذا فإنه لا يفهم لماذا لم يجد الصراع حلاً. من ناحيتنا المصالحة الفلسطينية هي مشهد زائف. إذا كان للمصالحة نتيجة، فإنها سيطرة حماس على (يهودا والسامرة)». كذلك، علينا أن نتذكر موقف يعلون الناقد لاتفاقيات أوسلو، فهو «لا يثق بالفلسطينيين، سواء في عهد ياسر عرفات أو عهد أبي مازن». وفي حين يؤكد أن «إسرائيل لا تتجاهل الصراع مع الفلسطينيين»، فإنه يتهم الرئيس محمود عباس بالمسؤولية عن غياب التقدم في العملية السياسية. وعنده أن «الفلسطينيين يرفضون الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ويفضلون الحديث عن الأرض، لأن هذه هي القضية التي يأخذون ولا يضطرون فيها للتنازل عن أي شيء». وسواء عندما كان في حكومة نتنياهو أو بعدما غادرها، لا يزال يعلون أحد وجوه اليمين البارزة، وهو مستوطن شرس ولم يتراجع عن رفضه للحل السلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل أعلن مؤخراً أن الحزب الجديد الذي سيشكله وسيخوض الانتخابات العامة المقبلة «لن يكون شريكاً في كتلة مانعة تعتمد على القائمة المشتركة، ولن يكون عائقاً أمام إقامة حكومة يمينية»، وذلك تعقيباً على نتائج استطلاع للرأي العام أجرته قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، وأظهر حصول الحزب الجديد بزعامة يعلون على أربعة مقاعد في الكنيست المقبل، ما قد يمنع نتنياهو من إقامة الحكومة الإسرائيلية المقبلة.