حضرت المؤتمر السنوي الثاني والعشرين لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الذي اختتم أعماله في أبوظبي قبل أيام تحت عنوان «المنطقة إلى أين؟: تحديات أسعار النفط»، وشاركت فيه نخبة من الخبراء والباحثين وأساتذة الجامعات والإعلاميين العرب والأجانب، لأجد أمامي سؤال اللحظة الراهنة معروضاً بلا مواربة وهو: إلى أين تسير دول الخليج في ظل تراجع أسعار النفط والتهديدات التي تواجهها سواء تعلق الأمر بالحرب الدائرة في اليمن أو تصاعد وتيرة الإرهاب؟ وإلى أين تسير المنطقة العربية برمتها إثر تطورات وتحديات إقليمية من جهة، واحتمالات التغير في السياسة الأميركية مع رئاسة دونالد ترامب من جهة ثانية؟ وكانت الإجابة عن السؤال العريض شاملة إلى حد بعيد، حيث تبارى الجميع في تناول هذه المسألة من شتى جوانبها، لينتهوا إلى توصيات مهمة، أعتقد أنها تحمل إفادة لصناع القرار ومتخذيه ليس في دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها وإنما في بقية دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية أيضاً. كانت الكلمة الافتتاحية لسعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي مدير عام المركز كاشفة حيث قال: «تشهد المنطقة تطورات متسارعة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، لها تداعياتها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على الأوضاع الداخلية لدولها، وكذلك لأن هذه التطورات تأتي في ظل مشهد دولي يطغى عليه الارتباك، وخاصة في وجود الإدارة الأميركية الجديدة، التي تتبنى سياسات مختلفة تجاه العديد من دول المنطقة كموقفها من الإسلام السياسي والتطرف الديني، ورؤيتها للتحالفات مع دول المنطقة، ما يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبلها». وانطلاقاً من هذا التصور توزعت محاور المؤتمر وأوراقه على موضوعات متصلة هي: سياسات ومصالح القوى الدولية في العالم العربي، ومستقبل الاستقرار الداخلي في الدول العربية، وتحولات خريطة التحالفات في العلاقات العربية الإقليمية، وموقف إدارة ترامب من هذه التحالفات، ورؤيتها للعلاقة مع دول مجلس التعاون، وموقف واشنطن من الإسلام السياسي والتطرف. ثم تطرقت إلى الاتجاهات المستقبلية لأسعار النفط وتأثيراها المحتملة، سواء ما يتعلق بالمتغيرات الجديدة في خريطة النفط العالمية أو واقع منظمة «أوبك» ومستقبل دورها، وسياسات الدول المنتجة للنفط بشكل عام، ليختتم المؤتمر أعماله بجلسة عنوانها «دولة الإمارات في مواجهة بيئة إقليمية مضطربة». وتبدو توصيات المؤتمر غاية في الأهمية، فعلى المستوى السياسي والأمني طالبت بتحصين المنطقة من أي تدخلات أجنبية، وتبني رؤية شاملة للأمن في العالم العربي لا تقتصر على الجوانب العسكرية وإنما تمتد إلى المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والإعلامية، وتعزيز التنسيق العربي في مواجهة الإرهاب، وتوفير الأسس اللازمة لتحقيق الاستقرار الداخلي في الدول العربية كافة، والاهتمام الواسع بتمكين الشباب، ووضع خطط تحقق التوازن بين دول الخليج وإيران، ومراقبة ودراسة سياسات أميركا حيال العالم العربي، ودعم التحركات التي ترمي إلى إعادة هيكلة النظام الدولي ليكون عادلًا. وعلى المستوى الاقتصادي أوصى المؤتمر بالتعامل مع انخفاض أسعار النفط بوصفه فرصة لتصحيح مظاهر الخلل الهيكلي في بعض اقتصادات دول الخليج، وإعادة النظر في برامج الدعم، وزيادة الاهتمام باقتصادات المعرفة، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وتغيير سياسات الدعم الخليجي لبعض الدول لتنتقل من تقديم المساعدات إلى الاستثمار والتعاون في مشروعات البنية التحتية، ومضاعفة الجهود الرامية إلى الاستفادة من الكفاءات العربية في المجالات كافة. وسبقت هذه التوصيات مناقشات اتسمت بالصراحة والجدية إلى حد بعيد، وكان أكثر ما لفت انتباهي هو التباين الذي ظهر بين تقييمات وتوقعات اثنين من الأميركيين حول سياسة ترامب في المستقبل المنظور حيال العرب، الأول هو الدكتور مارك تسلر أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميتشجان، الذي بدا واقعياً حين رأى أن هذه السياسات تثير قلقاً نظراً لدعم ترامب القوي لإسرائيل، واحتمالات زيادة عدد القوات الأميركية على الأرض في سوريا بدعوى محاربة «داعش»، ومناهضة الرئيس الأميركي الجديد للعالم الإسلامي، وزيادة التنسيق مع روسيا في الشرق الأوسط، وتراجع الاهتمام بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، ووعد ترامب بدعم التوسع في إنتاج الوقود الإحفوري. والثاني هو السفير الأميركي السابق لدى البحرين سام زاخم الذي شدد على أن ترامب سيتعامل مع دول الخليج على أنها مهمة للولايات المتحدة، ولن يتخلى عن دعمها. أما الباحثون العرب فقد توزعوا بين التفاؤل إزاء ما سيأتي، بحيث يتمكن العرب في غضون سنة أو ما يزيد قليلًا من إعادة الاستقرار إلى ربوع الدول التي تشهد اضطراباً، وتعزيز قدرة «الكتلة العربية الحية» أو «القوة الفاعلة» في التصدي للأخطار التي تحدق بالعرب، وبين التشاؤم حيال قضايا الاستقرار والإصلاح السياسي والاقتصادي وامتلاك استراتيجية ناجعة في مواجهة الإرهاب. ولكن الطرفين اتفقا على أن الحوار وتعدد الرؤى وارتباط القرار بالعلم والمعرفة ضروري جداً لمواكبة التطورات ومواجهة التحديات.