استضافت مكة المكرمة مؤتمراً دولياً نظمته رابطة العالم الإسلامي ومجمعها الفقهي على مدى ثلاثة أيام (19-21 مارس 2017) تحت عنوان «الاتجاهات الفكرية بين حرية التعبير ومحكمات الشريعة»، بمشاركة علماء ومفكرين يمثلون مذهبيات واتجاهات فكرية مختلفة على امتداد العالم الإسلامي ومجتمعات الأقليات المسلمة. مؤتمر رابطة العالم الإسلامي قعّد لنقلة مفاهيمية للتيار السلفي المؤسساتي والشعبي التقليدي، من مفهوم «أهل السنة والجماعة» النمطي والضيق إلى رؤية متقدمة وشاملة لكل المسلمين دون إقصاء للمخالف أو التحيّز للمشابه. إن مشاركة مؤسسات الإفتاء المصرية والموريتانية والشيشانية.. وغيرها، بجانب المدارس الفقهية السنية الأخرى، أكد على وسطية منهج المملكة العربية السعودية بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وعلى قدرتها على الوقوف ضد «الفتن الكلامية» وإخماد نارها والتنبيه إلى خطورة صراع القيادات العلمية وتسابقها في الفضاء الرقمي لاستقطاب المتابعين ليصبح صوتها أعلى من صوت المرجعيات الإسلامية المعتمدة. إن الانفتاح الذي تشهده رابطة العالم الإسلامي في زمن أمينها العام الجديد الدكتور محمد العيسى جعل منها فضاءً حراً للعلماء وحاضناً لتلاقح الأفكار أمام المخاطر الثلاث التي تحاك ضد الأمة الإسلامية، وأولها اختطاف الجماعات المتشددة للإسلام ومحاولة فرض قراءة متطرفة له خارج سياقه ومقاصده، مما تسبب في ظاهرة الإسلاموفوبيا وتصاعد اليمين المتطرف في أوروبا، بل وتطرف أحزاب اليمين المحافظ، ثم مشروع «الاغتيال الثقافي» الذي ينظر إلى الدين بوصفه تراثاً يعوق الأمة الإسلامية في اللحاق بركب الحضارة العالمية، وأخيراً المشروع الصفوي التوسعي الذي دخل حيِّز التنفيذ باحتلاله ثلاث عواصم عربية، ويبشر بمشروعه الطائفي والمذهبي المزعزع للأمن الفكري والروحي، خصوصاً في دول الخليج ومصر وشمال أفريقيا ومجتمع الأقليات المسلمة في أفريقيا. وجاء البيان الختامي للمؤتمر ليؤكد هذه النقلة النوعية في تحذيره من التساهل في التصنيفات الدينية والفكرية، واعتبارها وقود فتنة بين المسلمين وفتيلاً للتطرف والتناحر والتدابر، كما تضمن حفاوة بتعدد المدارس الإسلامية في سياق عطائها العلمي والفكري المشروع، واعتباره من مظاهر سعة الشريعة الإسلامية وعالميتها ورحمتها بالعباد. وإن المواجهة الفكرية لتيارات العنف مسؤولية العلماء والمفكرين، لذا عليهم تحمُّلها خصوصاً في زمن ارتباك المفاهيم وانتشار بؤر الصراع واندلاع الحرائق في كثير من بلاد المسلمين. إن الجرأة في تناول موضوع حرية الرأي والمعتقد من طرف رابطة العالم الإسلامي لهو رسالة شجاعة وعظيمة للرأي العام العالمي على أساس، كما قال أمينها العام الدكتور محمد العيسى، أن ديننا الإسلامي قرّر قاعدة منطقية تشير إلى أن القناعات الداخلية لا تُفرض، بمعنى أننا لا ندعو إلى حتمية القناعة برأي واحد في السجال الديني والثقافي والفكري، كما قرر الإسلام أنه لا يمكن أن يكون الناس كلهم على منهج واحد، لكننا ندعو إلى التفاهُم والتعايُش، وإلى جعل المشتركات أدوات التقاء وتعاون، وألا تكونَ مناطق للاختلاف الديني والسياسي والثقافي والفكري، وألا تكون أخطاء التشخيص سبباً للأحقاد والكراهية التي تُعتَبر المغذي الرئيسي للتطرف والإرهاب. ويذكر أن رابطة العالم الإسلامي منظمة إسلامية شعبية عالمية جامعة، مقرها مكة المكرمة، وهي تقوم بالدعوة للإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه، ودحض الشبهات والافتراءات التي تُلصق به، وإقناع الناس بضرورة الالتزام بأوامر ربهم واجتناب نواهيه، وتقديم العون للمسلمين لحلِّ مشكلاتهم، وتنفيذ مشاريعهم الدعوية والتعليمية والتربوية والثقافية، وهي تنبذ العنف والإرهاب وتشجِّع على الحوار مع أصحاب الثقافات الأخرى.