يشكل المؤتمر السنوي لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية مناسبة مهمة لتناول العديد من القضايا المستجدة، حيث عقد المؤتمر الثاني والعشرون الأسبوع الماضي بالعاصمة أبوظبي تحت عنوان «المنطقة إلى أين: تحديات أسعار النفط»، إذ إن هذا التساؤل مطروح وبقوة منذ الانخفاض الكبير في أسعار النفط التي تدنت إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل في أواخر عام 2015، قبل أن ترتفع إلى ما فوق 50 دولاراً بعد اتفاق الأعضاء في منظمة «أوبك» وخارجها على تخفيض الإنتاج بمقدار 1,8 مليون برميل يومياً. ومع أنه لا يمكن التطرق هنا إلى كافة المحاور التي دارت في جلسات المؤتمر، إلا أننا سنشير إلى تلك المتعلقة بأسعار النفط المستقبلية والأوضاع المالية والاقتصادية، ودور منظمة «أوبك» في المحافظة على أسعار عادلة للنفط، وهي مسألة تدور حولها وجهات نظر متعددة ومتفاوته. وبالنسبة لمستويات الأسعار كانت هناك وجهة نظر غالبة تقول، إن الأسعار تتعافى تدريجياً لتستقر ما بين 50-60 دولاراً للبرميل، وهو ما يتماشى مع استراتيجية دول مجلس التعاون الخليجي، وبعيداً عن المقترحات الحادة التي تسعى إليها إيران وفنزويلا بانفعال وبإيدلوجيات متطرفة، إذ لابد من معدلات أسعار معتدلة ومقبولة للبلدان المنتجة والمستهلكة وفي الوقت نفسه تؤدي إلى تقييد الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الصخري، إلا أن الحفاظ على هذا المعدل يتطلب تجديد اتفاق تخفيض الإنتاج بين البلدان من داخل منظمة «أوبك» وخارجها الذي ينتهي العمل به في شهر يوينو القادم. وفي حالة تحقيق هذا السيناريو، فإن الأوضاع الاقتصادية في البلدان المنتجة، وبالأخص في دول مجلس التعاون الخليجي التي تتمتع بأوضاع مالية أفضل من غيرها، ستشهد تحسناً ملحوظاً، إذ سيتحسن أداء القطاعات الاقتصادية غير النفطية، وسينخفض عجز الموازنات السنوية والسحب من الاحتياطي العام، وسيتم تنفيذ المزيد من المشاريع التنموية، مما يعني تجاوز أهم فصول مصاعب تدهور أسعار النفط الذي بدأ منذ أكثر من عامين. وفي المقابل، فإن عدم تجديد الاتفاق سيترك آثاراً موضوعية ونفسية على الأسواق، وسيؤدي إلى ارتفاع كبير في الإنتاج، مما سيخلق تفاوتاً بين معدلات العرض والطلب سيساهم في تدني الأسعار من جديد، إلا أن المؤشرات الأولية تدل على أن الارتفاع الأخير في الأسعار كان مريحاً وإيجابياً لكافة البلدان، وبالتالي، فإن ذلك سيشجع على تجديد الاتفاق، علماً بأن الطلب على النفط يرتفع بصورة ملحوظة في الربع الثالث من العام لملء خزانات الاحتياطيات التي استهلك معظمها خلال الشتاء، وذلك استعداداً للشتاء القادم، مما يعني دعماً إضافياً للأسعار إلى جانب تجديد الاتفاق. والجانب الإيجابي في هذا التوجه، هو عودة منظمة «أوبك» مرة أخرى للعب دورها التاريخي بعد فترة تراخٍ نتيجة لعوامل عديدة، والأكثر إيجابية في هذه العودة، هو زيادة التأثير الخليجي، والذي يقود عملياً سياسات المنظمة برؤية متأنية تأخذ بعين الاعتبار أوضاع السوق ومتطلبات البلدان المنتجة مع الحد من سياسات التطرف التي يدعو إليها بعض الأعضاء المؤدلجين، كإيران التي يمكن أن تقود إلى خسائر وفقدان للأسواق. بالتأكيد، هناك عوامل مؤثرة من غير المعروف حتى الآن مدى تأثيرها على اتجاهات أسعار النفط، كمدى ارتفاع إنتاج النفط الصخري وسياسات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يحاول إلغاء القيود السابقة على إنتاج النفط في بعض الولايات التي أوقفته لأسباب بيئية، وكذلك الأزمات الاقتصادية العالمية، وحالة الاقتصاد العالمي ككل وارتباطه بحجم الطلب على النفط. وبشكل عام فالأوضاع الاقتصادية في البلدان المنتجة للنفط في حالة استقرار الأسعار عند المستويات التي أشرنا إليها ما بين 50-60 دولاراً للبرميل ستكون أفضل حالاً في العام الجاري 2017 منها في العام الماضي 2016، وهو أحد الاستنتاجات العملية لهذا المؤتمر العلمي وأوراق عمله المهنية.