سهل أن نصف زعيم كوريا الشمالية «كيم يونج أون» بالجنون، فهو يهدد باستخدام السلاح النووي، وقام بعمليات تصفية بشعة لأفراد من عائلته، وعيّن نفسه مارشالاً رغم أنه لم يخدم في الجيش قط..! لكن مراقبي كوريا الشمالية والخبراء في النظم السلطوية لا يرون هذا خطأ فحسب، بل سوء تقدير خطير أيضاً. ويؤكد «جون بارك»، مدير مجموعة عمل كوريا في مدرسة كيندي بجامعة هارفارد، أن اعتبار «كيم» شخصاً غير عقلاني هو تقليل من خطره. فقد أدرك الزعماء على امتداد التاريخ أنه قد يكون من المفيد لهم أن يعتقد الأعداء أنهم مجانين. وتصنيف كيم باعتباره مجنوناً قد يصب في مصلحته. وأشار «بنيامين سميث»، الخبير في تغير الأنظمة الحاكمة في جامعة فلوريدا، إلى أن الأدلة على أنه ليس مجنوناً كثيرة، فهو لا يزال ممسكاً بمقاليد السلطة، ويحتفظ هو ووالده وجده بالسلطة منذ أيام الرئيس ترومان. وفي ديسمبر الماضي، احتفل الزعيم البالغ من العمر 33 عاماً بمرور خمس سنوات عليه في السلطة، خلافاً للتوقعات التي كانت تشير إلى أنه لن يستطيع الاحتفاظ بقبضته على السلطة طويلاً في البلاد الخاضعة لسيطرة أسرته منذ عام 1948. وأشار سميث إلى أن وصف كيم بأنه عقلاني لا يعني أنه شخص مثالي يتخذ قرارات مثالية. ويؤكد الكندي «مايكل سبافور» الذي يدير مركز «بايكتو» للتبادل الثقافي الذي يدعم النشاط الاقتصادي والرياضة والسياحة مع كوريا الشمالية، أن كيم من الناحية الشخصية واثق من نفسه، ويجيد التعبير عن نفسه. و«سبافور» من الشخصيات القليلة للغاية من الخارج التي اجتمعت مع كيم، وكان قد ذهب بصحبة «دينيس رودمان»، لاعب كرة السلة، في رحلته إلى كوريا الشمالية. وأشار «سبافور» إلى أن كيم أحياناً يتصرف بجدية وأحياناً أخرى بهزل، لكنه لا يبدو غريب الأطوار بحال من الأحوال. وقرارات كيم سمحت له أن يحقق هدفه الأساسي حتى الآن، وهو البقاء في السلطة بالقضاء على التهديدات الحقيقية أو المتوقعة من النخبة. ويؤكد «اندريه لانكوف»، الباحث الروسي المتخصص في كوريا الشمالية الذي درس من قبل في جامعة «كيم إيل سونج» في بيونج يانج، أن كيم لديه أسباب تجعله خائفاً من المؤامرات في المستويات العليا من حكومته، خاصة في الجيش والشرطة السرية، لأن هؤلاء يمكن شراء ولائهم وقد يخونوه، وبالتالي يتعين تخويفهم وهو ما يفعله. ونقل كيم رسالة للنخبة تبقيه في السلطة من خلال سلسلة من عمليات الإعدام والتصفية جعلت الجميع يخشونه. فقد تخلص كيم من أكثر من 300 مسؤول في سنوات حكمه الخمس. وتساءل لانكوف: «ما غير العقلاني في هذا؟». وينقل اغتيال الأخ غير الشقيق لكيم، وهو «كيم يونج نام» في ماليزيا بالسم، رسالةً إلى المنافسين بأن الزعيم الشاب يستطيع أن يدركهم أينما كانوا. ويؤكد «كونجدان أوه»، من معهد التحليلات الدفاعية ومقره الولايات المتحدة، أنه من المنطقي عند كيم أيضاً التعامل مع تهديدات «القوى المعادية» بامتلاك أسلحة نووية. وأصدر كيم أوامر بإجراء ثلاث تجارب نووية منذ أن تولى السلطة، زاعماً أن أحد الاختبارات أُجري على قنبلة هيدروجينة. وأشرف كيم على عمليات تطوير متواصلة في البرنامج الصاروخي، وأعلن أن بلاده دخلت المراحل النهائية من الاستعداد لاختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات بوسعه الوصول إلى أراضي الولايات المتحدة. ورسخت كوريا الشمالية دعايتها المحمومة ضد «المعتديين الإمبرياليين» الأميركيين و«دمياتهم» في كوريا الجنوبية. ولذا، فإن الإبقاء على الشعور بالتهديد من الجانبين، يوفر الأساس المنطقي لوجود الدولة، وللاتحاد بين النخبة وعامة الشعب. ثم هناك الاقتصاد، فرغم أن الاقتصاد أبعد ما يكون عن الازدهار، لكنه توسع في السنوات القليلة الماضية، وتدل على هذا الإنشاءات التي تكاثرت في العاصمة بيونج يانج رغم القيود التي تتزايد ضيقاً من العالم الخارجي. وقامت كوريا الشمالية بهذا من خلال شركات التجارة التي تديرها الحكومة، والتي لها شراكة مع شركات صينية، ما يمكنها من التحايل على العقوبات. وشبكة شركات التجارة التابعة للحكومة، والتي تسيطر عليها النخبة الكورية الشمالية، لا توحي بعدم العقلانية أو الجنون، سواء من خلال تحقيق أرباح أو شراء ما يحتاجه برنامج الأسلحة النووية، وهذا يوضح بشكل موضوعي أن هناك خطة ما يجري تنفيذها. لكن العقلانية لا تعني القدرة على توقع التصرفات، بحسب قول كثير من المحللين، لأن كيم متقلب المزاج. وهذا يثير قلق القادة العسكريين الأميركيين. فقد أشار الأدميرال «هاري هاريس»، قائد قيادة المحيط الهادئ، في ديسمبر الماضي، إلى أن «الجمع بين الرؤوس الحربية النووية وتكنولوجيا الصواريخ البالستية في أيدي زعيم متقلب المزاج مثل كيم يونج أون، يمثل وصفة لكارثة». آنا فيفيلد: رئيسة مكتب «واشنطن بوست» في طوكيو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»