ربما يكون وزير العدل الألماني «هايكو ماس» قد أصبح موضع انتقاد واسع بعد أن اقترح فرض غرامات على شبكات التواصل الاجتماعي وموظفيها بسبب فشلها في حذف المحتويات والمواد التي تشجع على الكراهية والإرهاب. ويقف دعاة الحرية المفرطة على شبكة الإنترنت ضد هذا الاقتراح، لأنه يدعو إلى فرض الرقابة عليها. وتشهد أوروبا الآن جدلاً واسعاً حول هذا الموضوع في الوقت الذي واجه الاقتراح انتقاداً من «الاتحاد الألماني للقضاة والمدعين العامين» باعتباره غير كافٍ ولا يجرّم مروّجي المنشورات التي تدعو إلى الكراهية. ولا شك أن الأمر سيكون موضع جدل لا ينتهي حول مدى فعالية هذه الإجراءات وفوائدها وأين تقع الخطوط الحمراء لنشر الخطاب الإعلامي الحرّ. إلا أن أهم الانتقادات لاقتراح وزير العدل الألماني هي تلك التي جاءت من الشركات العملاقة التي تشغّل مواقع التواصل الاجتماعي ذاتها. وتبدو الدوافع السياسية التي دفعت الوزير «ماس» لعرض اقتراحه هذا واضحة تماماً. وذلك لأن النخب السياسية الألمانية تشعر بأنها مستهدفة من قبل الحملة الدعائية المتصاعدة للشعبويين القوميين، وتيارات اليمين بصفة عامة التي تشهد حركتها الآن زخماً قوياً بعد نتائج التصويت البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي «البريكسيت» والنصر غير المنتظر الذي حققه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية. ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة في ألمانيا، التي ستنظم في سبتمبر المقبل، والتوقعات بدخول الحزب الصغير والجديد المعادي للمهاجرين إلى البرلمان، يسعى التحالف الحاكم الذي يتألف من جناح يمين الوسط للحزب الديمقراطي المسيحي ويسار الوسط للحزب الديمقراطي الاجتماعي، لتجنيب البلاد خطر اقتحام تلك الحركات المتطرفة للساحة السياسية. وتقول أوساط شركات تشغيل شبكة المواقع الاجتماعية إنها لا تمثل في حقيقة الأمر إلا مجرّد وسيلة لتناقل المعلومات، وليست كالصحافة التقليدية التي يعمل فيها المحققون الصحفيون وكأنهم حراس المبنى. وأشاروا أيضاً إلى أن من غير الطبيعي ولا المفيد بالنسبة لهم أن يعملوا كرجال الشرطة على مراقبة تدفق المحتويات المعلوماتية عبر منصّات نشرها. وقالوا إنهم يرفضون إلزامهم بفعل ذلك، وهو ما اقترحه «ماس» الذي يريد من «فيسبوك» و«تويتر» أن يستجيبا لكل الشكاوى التي تصلهما. وقد عمدت بعض المواقع الاجتماعية سلفاً إلى مكافحة نشر الأخبار الكاذبة أو الملفقة على صفحاتها على رغم عدم وجود القوانين التي تجبرها على فعل ذلك. وعلى سبيل المثال، أعلن موقع «تويتر» في الولايات المتحدة مؤخراً، وهو الذي يوصف عادة بأنه الأقل تعرضاً للاختراق، عن تعليق العمل بأكثر من 376 ألف حساب في الفترة الممتدة من يوليو 2016 وحتى نهاية ذلك العام بسبب تشجيعها للإرهاب. ويرى القيمون على مواقع التواصل أن فرض الرقابة عليها يحوّلها إلى ما يشبه المنصّات الإعلامية التقليدية. ومن ناحية أخرى، تُعتبر الشبكات الاجتماعية من اللاعبين الكبار في السوق الإعلامية أيضاً، ولاسيما بعد تحقيقها لنجاح عريض في مجال تحويل العوائد الإعلانية من الصحافة التقليدية إلى منصاتها التكنولوجية مع احتمال استهدافها للمزيد من المشاهدين والمستخدمين. إلا أن هذا الاحتمال ينطوي على بعض الغموض، فما من أحد يعلم كم من الحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي التي تعود لمستخدمين حقيقيين. وأشار تقرير حديث صادر عن مؤسسة متخصصة، إلى أن الخسائر التي يتكبدها المعلنون نتيجة عدم متابعة المستخدمين الحقيقيين لتلك المواقع تصل إلى 12,5 مليار دولار أو ما يعادل نسبة 20 في المئة من مجموع عوائد أسواق الإعلان الرقمية عن عام 2016. وجاء في التقرير: «لقد حان الوقت لمواقع جوجل وفيسبوك لإيقاف التسويق بالطرق المتبعة الآن والسماح لمدققين يمثلون الطرف الثالث باختراق أسوار حدائقهم الحصينة من أجل التأكد من المعدلات الحقيقية للمتابعة والمشاهدة بدلاً من الاعتماد على الكشوف التي يرسلونها حول مدى ازدحام شبكاتهم بالزبائن». ويرى البعض أنه لو كان لموقعي «تويتر» و«فيسبوك» وبقية المنصات الاجتماعية أن تحقق أرباحها بنفس الطريقة التي تتبعها الصحافة التقليدية، فإن من الواجب أن تخضع لنفس الضوابط القانونية. وتعتبر أوروبا سوقاً ضخمة لتلك المواقع. وكانت عوائد «فيسبوك» من السوق الأوروبية قد بلغت 24 في المئة من مجمل عوائدها العالمية عن عام 2015، وجاء القسم الأكبر من هذه الأموال من ألمانيا. وإلى حد كبير، كانت الشبكات الاجتماعية تسعى إلى تجنب القبول بتطبيق الإجراءات التنظيمية التي تخضع لها الصحافة التقليدية، وهذا ما جعل من العسير جداً مقاضاتها لأي سبب من الأسباب. وذهب بها الأمر حتى إلى رفض إنشاء مكاتب تمثيل قانونية لها في ألمانيا، كما أعلنت أنها غير قادرة على فهم المستندات والتوصيات التي توجه إليها باللغة الألمانية. وتختلف منصّات الشبكات الاجتماعية عن بعض الشبكات الإلكترونية الأخرى مثل موسوعة «ويكيبيديا» التي تتمتع بهامش أوسع من حرية رفض الوصاية لسبب أساسي يتعلق بكونها منصة غير ربحية ولا تبحث عن الفوز برضى الحكومات من أجل كسب المال. وربما يكون الاقتراح القانوني الذي قدمه «ماس» قد أتى استناداً لأسباب خاطئة، فهو يحدّ من حرية التعبير من دون مبررات كافية. ومع ذلك فإن الموافقة على تشريعه في البرلمان الألماني ستخدم هدفاً مفيداً لأنه سيوضح لموقع «فيسبوك» أنه إذا أراد أن يسلك سلوك الصناعة الإعلامية التقليدية، فسيتعيّن عليه القبول بتحمل المسؤوليات المترتبة عليه. وأما البديل عن اتخاذ هذه الوجهة فهو أن يعلن جهاراً أن تدفق المعلومات يجب أن يكون حراً مثلما هو حال موسوعة «ويكيبيديا». ليونيد بيرشيدسكي محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»