محاور عدة على طاولة ملوك ورؤساء الدول العربية في قمتهم التي تعقد اليوم في الأردن، ولاشك أن على رأس القضايا الضاغطة على جدول الأعمال القضية السورية، ومجابهة تحدي الإرهاب والتطرف الذي أصاب بعض أطراف الجسد العربي الكبير، وكذلك القضية الفلسطينية، والتدخلات الإيرانية في المنطقة والسعي للحد من انتشار سمومها ونفث شرورها وتحييد محاولتها ضرب الصف العربي وتدخلاتها السافرة في العديد من الدول العربية من خلال إذكاء النعرات المذهبية والطائفية المقيتة التي لم تكن يوماً مطروحة على أسلافنا ولا ممارسة متفشية في ثقافتنا. وعلى رغم أهمية تلك القضايا والملفات السياسية والأمنية في عالمنا العربي اليوم، والتحديات الكبيرة التي تواجهه في وجوده ومصيره، والتي يتحتم التداول بشأنها وإيلاؤها نصيب الأسد من وقت اجتماع الزعماء العرب، إلا أنه ينبغي أيضاً الالتفات إلى الملفات الاقتصادية والاجتماعية والبحث والتنقيب عن الفرص والمجالات التي من شأنها الارتقاء بالتعاون العربي والعمل المشترك المؤدي إلى توحيد الجهود والسعي الدؤوب في مسيرة التنمية الشاملة للدول العربية، والاستجابة لتطلعات الشعوب العربية وعلى رأسها الشباب العربي لاستثمار طاقاتهم وتركيز جهودهم للعمل في التنمية المستدامة التي من شأنها تحقيق الرفاه والخير والتقدم لشعوبهم وخدمة أوطانهم. وهناك الآن العديد من الآمال والطموحات والمشكلات التي تبحث لها عن حل وقرار حاسم وحازم من الزعماء العرب لتوحيد الجهود العربية، وتحقيق تعاون وتكامل لهذه الشعوب بما يَضمن لها رؤية مستقبلية تبحر بها من هموم وإشكاليات الحاضر العربي الصعب إلى آفاق البحث عن الإيجابيات والإمكانيات الكامنة لدى هذه الشعوب وتوظيفها بِمَا يحقق الرخاء والرفاهية لها في المستقبل. والشباب في العالم العربي اليوم يمثل 20% من مجمل سكان العالم العربي (أي قرابة 50 مليون شاب وشابة)، وهذا العدد الكبير يتطلب منا دراسة أوضاعه والوقوف عند همومه وطموحاته باعتباره الرصيد البشري الاستراتيجي، والشباب هم الثروة الحقيقية لأي بلد أو أمة، ولذلك فإن الحديث عنهم حديث عن المستقبل، الأمر الذي يفرض ضرورة مشاركة عدد كبير من العلماء والباحثين والكتاب والمفكرين وعلماء النفس والاجتماع وخبراء التربية والتعليم والتكوين والتشغيل في وضع استراتيجية مستقبلية تتبنى جيل الشباب العربي، وتتلمس همومه ومشكلاته، وتضع الحلول الملائمة لكافة المشكلات. وهذه الطاقات البشرية الصاعدة بإمكانها تحقيق طفرة نوعية وكمية في المجال الصناعي والمجالات الاقتصادية إن عرفت الدول العربية كيف توجهها وتستفيد من طاقاته الكامنة، وأول خطوة على هذا الطريق هي السعي للبحث والكشف عن الإبداعات والابتكارات العربية، وتسليط الضوء عليها، وتحويل تلك الأحلام والآمال العربية التي يستبطنها الشباب إلى واقع ملموس قادر على خلق الفرق لهذه الشعوب.. وعلى سبيل المقارنة، ففي اليابان، مثلاً، لا يصل عدد الشباب إلى 10 ملايين نسمة من إجمالي عدد السكان، ولكن على رغم ثقل وطأة الأزمة الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والنكبات المتوالية التي تعرض لها اليابانيون في تاريخهم فقد استطاعوا إعادة بناء أمتهم أكثر من مرة، من تحت خط الفقر أولاً، ثم من تحت ركام الحرب العالمية الثانية في فترة لاحقة. وقد نجحوا في كسب رهان التحدي في النهاية ليصل علمهم ومنتجاتهم وصناعاتهم إلى كل دول العالم، وليكونوا في صدارة الدول الصناعية المتقدمة في وقت قياسي. وبما أن دولة الإمارات تعد النموذج الأمثل بين الدول العربية في السير بخطى واثقة على طريق المستقبل وعدم الاكتفاء بإنجازات الحاضر فقط، فلابد من الاستفادة من هذه التجربة الناجحة والسعي لتعميمها على الشعوب العربية الأخرى، فالإمارات خطت الآن أولى خطواتها نحو الفضاء، ووضعت الخطط والاستراتيجيات التي تضمن استثماراً ناجحاً في الثروة البشرية، وأنجزت مشاريع رقمية ومدناً ذكية وشبكة مواصلات ونقل تضاهي بها العالم وبنية تحتية تنافس الدول المتقدمة وتجذب الاستثمارات، وعززت المنظومة الأمنية مما جعلها «حلم الشباب العربي» للعيش الكريم وتحقيق النجاح، ووفرت الفرص لكل طموح ومبدع ومبتكر. والحال أن إمكانيات العرب لا تقل عما عند باقي أمم وشعوب العالم، ولكن يبقى علينا توحيد الجهود ووضع الآليات لتحقيق الحلم المنشود والسعي لإيجاد مؤسسة عربية ترصد وتهتم بالابتكارات والأفكار التي من شأنها تحقيق الرفاهية للعرب والبشرية جمعاء، ودعم المنتجات العربية، وخلق أسواق وفرص استثمارية ناجحة لها، والاستفادة من الكوادر البشرية في الصناعات المشتركة. ولعل المقولة الشهيرة للعالم المرحوم أحمد زويل «إن الغربيين ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء، وإنما هم يدعمون الفاشل حتى ينجح ونحن نحارب الناجح حتى يفشل»! خير برهان على واقعنا الذي نعيشه في العالم العربي، وهي ضرورة تحتم علينا النهوض بالهمم في مثل هذه القمم، وتفعيل العقول وتنشيط الأذهان، والتركيز على ملفات الاقتصاد والتنمية التي نتفق عليها جميعاً وتتطلع إليها شعوبنا العربية منذ عقود، بعكس ملفات السياسة التي قد نختلف عليها، والتي ضيعت على العمل العربي المشترك عدة عقود أيضاً. ولنتعلم من تجربة الأوروبيين، كيف حولوا الشراكة الاقتصادية إلى شراكة سياسية، فدخلوا للتعاون والتضامن من المدخل الصحيح، بعكس تجربتنا العربية، للأسف، حيث دخلنا من مدخل السياسة منذ سبعين عاماً وما زلنا نلف وندور في دواماته ومتاهاته، إلى ما لا نهاية. إننا نريد من هذه القمة العربية أن تكون قمة للأمل والعمل، وألا تكتفي بمناقشة التحديات الراهنة أو المستقبلية، والاستغراق فقط في الملفات الضاغطة اليوم، بل نريد السعي لتجاوز كل مصاعب الواقع العربي الراهن، والاشتغال على خطط تعاون وشراكة ملموسة وعملية تتجاوز حال الإخفاق التنموي والفشل السياسي في العديد من الدول العربية، وتحفّز التكامل والإنتاج وإسماع صوت الأمة والدفاع عن قضاياها العادلة، من موقع قوة وقدرة على إثبات الذات والوجود على خريطة العالم.