لا يمكن تصور تصادم بين إيران وإسرائيل إلا في إطار إقليمي ودولي معين، خاصةً عند الأخذ بالاعتبار كون الغارات الإسرائيلية الموجهة ضد نظام بشار والمليشيات الشيعية محدودة الأثر التدميري، فالنجيب منا يدرك أن هناك علاقة جيوسياسية بين طهران وتل أبيب ضد الوطن العربي، وربما وصلت في الوضع السوري إلى مرحلة التصادم. استناداً للبعد التاريخي، فإن أهم دول الجوار الجغرافي للوطن العربي، إيران وإسرائيل وتركيا، تلتقي في منظور جيوسياسي قائم على دول عربية ضعيفة ومتصارعة ومتضاربة في الشؤون الأمنية، ودائماً تهدف «الدول الثلاث» إلى التفوق العسكري والاقتصادي على جوارها العربي، مع التنافس فيما بينها على موقع الدولة الأهم في المنطقة. وعند التركيز على إسرائيل وإيران، نجدهما تحتلان أراضي عربية، فإيران منذ الشاه إلى يومنا هذا تسعى نحو تفوق عسكري كبير على الدول العربية، فالشاه مع احتلال الأهواز والجزر الإماراتية الثلاث، فرض اتفاقية الجزائر 1975 الحدودية عبر قوته العسكرية التي كانت تفوق العراق آنذاك، إلى جانب دعمهِ لأكراد العراق لزعزعة الاستقرار بالعراق، والتاريخ يطلعنا على وثائق بريطانية بأن الشاه كان له مطامع في البحرين وأيضاً في جزر كويتية عام 1955. وأتت إيران الملالي طامحةً وطامعةً نحو القوة العسكرية والمالية مع القوة المذهبية الدينية، وترجمت كل ذلك في اختراق النظام الإقليمي العربي بدخولها لبنان وتحالفها مع نظام الأسد الأب والابن، ثم خلقت تبعية لها في العراق وصولاً إلى اليمن، مع تحريك خلايا شيعية في بعض دول مجلس التعاون. وعلى الجانب الإسرائيلي المحتل لفلسطين، نرى البعد التاريخي الحديث والمعاصر يثبت دون شك أن إسرائيل استطاعت إخراج صراعها من الدائرة العربية ليصبح الصراع فلسطينياً- إسرائيلياً، ليس عبر اتفاقية السلام مع القاهرة وحسب، بل عندما كثرت وتعددت القضايا العربية أصبح من المقبول السلام مع إسرائيل، ولعل من آثار حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت، البدء في ماراثون المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وللعلم فقط، كانت هناك مفاوضات سرية بين سوريا وإسرائيل، ومن الأدلة التي نسوقها هنا، اعتراف السلطة الفلسطينية بأنها كانت تريد السلام مع السادات إدراكاً منها بالقوة الدولية الداعمة لإسرائيل ولكن كانت الأنظمة العربية والشارع العربي عائقين لذلك «وهذا الأمر أوضحهُ أحد أهم أقطاب المنظمة الفلسطينية وممثلها بالقاهرة سعيد كمال». إذن الضعف والصراعات وتعدد القضايا في العلاقات العربية العربية مثل مناخاً لقبول المفاوضات مع إسرائيل. ولقد مهدت البراجماتية والعقدة من العالم العربي الطريق للعلاقات الإيرانية الإسرائيلية، التي بدأت في فترة الشاه، الذي كان يؤمن بأن إيران شبه محاصرة بالعرب بكل الأبعاد الدينية والثقافية واللغوية والجغرافية، إلى جانب الخوف من الشيوعية، والعلاقة القوية مع واشنطن، وتطلعهِ نحو الليبرالية والعلمانية وكانت تركيا نموذجاً شرقياً له، وطموحه في الهيمنة على منطقة الخليج، كل ذلك جعل الشاه في علاقة مع إسرائيل وقد مدها بالنفط. وفي نظام الملالي كانت العلاقة عبر الحرب العراقية الإيرانية لإضعاف القوة العربية، ثم أتت أحداث وتبعات سقوط نظام «البعث» العراقي لترسم علاقة أميركية إيرانية إسرائيلية، ومنها ملف تصفية علماء العراق، وأطروحات لتفاهم أميركي إسرائيلي إيراني لجعل «حزب الله» يتحول من مليشيا عسكرية إلى العمل السياسي بلبنان في سبيل حصول إيران على التكنولوجيا النووية وتبعية العراق لها مع الحفاظ على المكاسب الأميركية، وقبول دور إيراني ريادي في المنطقة وأمن الخليج. ولن يكون أمراً غريباً إذا وضعنا السياسات الإيرانية والإسرائيلية في إطار التلاعب على الأمن العربي ومصالح الدول العربية، ومثال ذلك ما عاصرناه، فإيران ومحور الممانعة في المنطقة والموجه نحو القضية الفلسطينية قد انكشف بأنهُ محور النفوذ الإيراني الشيعي التوسعي، إضافةً إلى كون إيران من وراء دعمها لـ«حماس» تبحث عن أهمية إقليمية ودولية بمنازعة الأيدي العربية في القضية الفلسطينية، والدليل عرضها على منظمة «فتح» تبعيتها مقابل حرق ورقة «حماس». والجانب الإسرائيلي لم يقبل قيام الدولة الفلسطينية من خلال عرقلة المفاوضات والمساعي الدولية والتمادي في بناء المستوطنات. مرحلة التصادم بين إسرائيل وإيران بدأت في الثورة السورية وما آلت إليه حتى الآن مع عدم قدرة النظام الإيراني على ضبط مليشياتهِ الشيعية والسعي للحصول على امتيازات اقتصادية في سوريا مع قاعدة بحرية، وتطلع المنظومة الشيعية من إيران والمليشيات والأحزاب الشيعية ورجال الدين لإقامة إمبراطورية شيعية ممتدة من إيران إلى العراق وسوريا حتى جبل عامل وشوارع بيروت، الأمر الذي يحتم على إسرائيل وأطراف إقليمية ودولية قطع أذيال المنظومة الشيعية الإيرانية التوسعية من دول وأنظمة ومليشيات عسكرية. ثمة تصورات مهمة، فقد تشير الغارات الإسرائيلية محدودة التدمير على نظام بشار والمليشيات الشيعية، بأنها تمثل أداة روسية لردع القوى الإيرانية في سوريا إذا عارضت توجهات بوتين، وعلاوة على وجود تفهم روسي لأمن إسرائيل، والذي بدورهِ يمثل عاملاً مهماً في تقارب الرؤى الأمنية وتقاسم المصالح مع واشنطن، التي لطالما التزمت بأمن إسرائيل ورفاهها منذ إنشائها كدولة. يفضي النقاش السابق نحو التسليم بأن التصادم بين إسرائيل وإيران ستتحدد قوته وفعاليته من خلال إطار يجمع السياسة الروسية في سوريا والمنطقة عموماً مع مصالح واشنطن والكثير من الدول العربية وتركيا أيضاً، إلى جانب ضرورة إخراج المليشيات الشيعية والنفوذ الإيراني من سوريا لدواعٍ أمنية إسرائيلية، وما زالت تل أبيب تحاول وتراقب بلورة هذا الإطار الأمني واضعة نصب عينيها أمنها وإحداث علاقات مع بعض الدول ولو بشكل براجماتي.