سعدت كثيراً هذه السنة بحضور المؤتمر السنوي الثاني والعشرين لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.. «المنطقة إلى أين: تحديات أسعار النفط» الذي جمع كوكبة من الخبراء والاستراتيجيين ورجالات الدولة والمفكرين والجامعيين ورجال الإعلام المقتدرين، وتجنب المتدخلون لغة الخشب وأبدوا آراءهم وأفكارهم بطريقة علمية تشخيصاً واستشرافاً للمستقبل، ولا أدل على ذلك من التوصيات البارزة التي صدرت عن المؤتمر، إذ دعا المشاركون إلى ضرورة العمل على معالجة حالة الانكشاف السياسي والأمني والاقتصادي في المنطقة العربية بما يحقق الأمن والاستقرار داخل دول المنطقة ويحصنها ضد أي تدخلات خارجية في شؤونها. كما دعا المشاركون إلى الحفاظ على دعم دول المحور العربي باعتبار أن هذا المحور هو خط الدفاع الأول ضد محاولات تصفية الدولة الوطنية العربية على أيدي المشروع «الإخواني» الذي يرتبط بقوى دولية وإقليمية لها أهدافها المشبوهة في المنطقة، وتعزيز مستوى التنسيق العربي في مواجهة الظاهرة الإرهابية بكل تجلياتها ومصادرها وأشكالها على أن يؤسس هذا التنسيق على حوار جاد للاتفاق على تعريف موحد للإرهاب، بما يقضي على الثغرات التي تستغلها التنظيمات الإرهابية لإبقاء نفسها على قيد الحياة واكتساب الدعم تحت شعارات مراوغة، ووضع الخطط والسياسات التي تحقق التوازن في منطقة الخليج العربي بين دول «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» من جانب وإيران من جانب آخر. ودعا المؤتمر المجلس إلى أن يقود بما تملكه دوله من قدرات كبيرة الجهود لبناء منظومة عربية متماسكة وضمان الأمن القومي العربي وتحقيق التوازن العسكري والسياسي والاقتصادي في المنطقة وتنويع مجالات التحرك الخارجي لدول المجلس، حتى يمكنها التعامل الفاعل مع المتغيرات والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية وما تنطوي عليه من فرص من المهم استثمارها، وتحديات لا بد من التصدي لها. هذا من جانب، وعلى الصعيد الاقتصادي أوصى المؤتمر بإصلاح بعض مظاهر الخلل الهيكلي في بعض الاقتصادات الخليجية من خلال تخفيض النفقات وقيام دول «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» بوضع خطط اقتصادية شاملة قصيرة الأجل وطويلة الأجل، بهدف توجيه اقتصاداتها إلى أنشطة غير نفطية تساعد على تنويع مصادر دخلها القومي وتعددها والإسراع في جهود التنمية المستدامة بوصفها أساس الانطلاق إلى مرحلة ما بعد النفط.. والعمل على زيادة الاهتمام بإنتاج المعرفة من خلال تهيئة البيئتين التشريعية والاقتصادية الملائمتين بما يؤدي إلى توفير الظروف المناسبة لهذا العنصر المهم الذي يمكن أن يوفر مصدراً آخر من مصادر الدخل في دول «مجلس التعاون لدول الخليج العربية‏?«?. وشدد على ضرورة الاستفادة من تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في تنويع مصادر الدخل ووضع أسس اقتصاد ما بعد النفط، حيث قطعت الدولة شوطاً كبيراً وناجحاً في تقليص اعتمادها على النفط بوصفه من مصادر الدخل القومي.. ونجحت في تعظيم مصادر أخرى للدخل ساعدتها على التعامل بنجاح مع انخفاض أسعار النفط.. ومضاعفة الجهود لإيجاد سبل احتضان الكفاءات العربية في المجالات المختلفة داخل العالم العربي بما يحول دون هجرة العقول العربية إلى الخارج بما ينطوي عليه ذلك من خسائر فادحة على المستويات الاقتصادية والعلمية والحضارية. وتوقف الجميع عند ضرورة الاستثمار في العامل البشري، فمن دونه تضيع مصالح الشعوب والأجيال. إن دولاً كاليابان وكوريا الجنوبية التي لا تملك أي موارد طبيعية استثمرت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في المورد البشري فأصبحت دولاً متقدمة، وأصبح البحث العلمي فيها متطوراً وغدت دولاً يضرب بها المثل... فمن مسؤولية الجميع اليوم في الوطن العربي الاستثمار في العقول والإقدام على اتخاذ قرارات شجاعة لتحقيق الملاءمة بين التكوين العلمي والمهني والتقني وبين مستلزمات الاقتصاد العصري، وتشجيع البحث العلمي والابتكار، والانخراط في اقتصاد ومجتمع المعرفة والاتصال، وإعطاء نفَس جديد لنظام البحث العلمي والتقني في الوطن العربي من خلال تبني استراتيجية كفيلة بتأهيل البحث العلمي والتقني الوطني، وجعله في خدمة التنمية. وللأسف يتهاتف المتهاتفون اليوم في بعض الأوطان العربية على مشاكل تكون الشعوب في غنى عنها، وبالأخص إذا كانت ذات لون ديني أو أيديولوجي مدوٍّ، وينسون أو يتناسون الأولويات التي يجب تناولها بدل الخوض في مشاكل تحرك المشاعر والوجدان ويكون لتحريكها خطر على المجتمع، وتكون طامة كبرى ومصيبة آزفة وداهية عظمى ليس لها من دون الله كاشفة على مستقبل العباد والبلاد.