تتجلى إحدى نقاط القوة النادرة للرئيس دونالد ترامب في قدرته على إظهار الكفاءة. فقد حقق مؤشر «داوجونز» للأسهم ارتفاعاً مثيراً للدهشة بواقع 2200 نقطة منذ انتخاب ترامب، ويرجع هذا في جزء منه إلى أن المستثمرين كانوا يعتقدون أن ترامب من الممكن أن يحدث إصلاحاً في الضرائب والإنفاق على البنية التحتية. ولكن إذا فكرنا في الأمر مرة أخرى، سنجد أن إدارة ترامب تظهر عدم كفاءتها بشكل مذهل، وهذا هو الدرس الحقيقي لانهيار مشروع قانون الرعاية الصحية الذي قدمه الحزب الجمهوري. لقد أثبتت هذه الإدارة أنها غير قادرة على التصرف: بعد سبع سنوات من تعبير الجمهوريين علانية عن اشمئزازهم من برنامج «أوباماكير»، فشل مشروع قانونهم البديل بعد 18 يوماً فقط. أحياناً تكافئ السياسة المتبجحين، وترامب متبجح من هذا الطراز. فقد وعد بتقديم خطة للرعاية الصحية من شأنها أن تكون «رائعة» و«جميلة» و«لا تصدق» و«أفضل وأقل تكلفة» و«تكفل التأمين للجميع». بيد أن أداءه سيئ للغاية عند الوفاء بوعوده، لأن الحقيقة الأساسية هي أنه سياسي غير كفء إطلاقاً للحكم. ويقال إن السياسيين يشنون حملاتهم بالشعر ويحكمون بالنثر. أما ترامب، فهو يشن حملته بالتبجح ويحكم بالكلام المنمق الطنان. وأيما كانت الطريقة التي يفكر بها المرء في مزايا ترامب، فإن هذه الفجوة في الكفاءة تثير أسئلة عميقة بشأن اتجاهنا الوطني. فإذا لم تستطع الإدارة إلغاء برنامج «أوباماكير»، أو إدارة علاقات ودية مع حلفاء مثل المكسيك وأستراليا، فكيف لها أن تنجز أمراً معقداً مثل الإصلاح الضريبي؟ ومشكلة الرعاية الصحية ستجعل ترامب يواجه صعوبة أكبر في جعل الكونجرس يوافق على قضايا أخرى. وسيدرك الناس على نحو متزايد أن هذا الرئيس لا يستطيع فعل شيء وأنه ضعيف. ومن بين المشاكل الكامنة يبرز ولع ترامب بالخيارات الشخصية التي تكون إما سيئة بشكل محير، أو مطعوناً فيها أخلاقياً، أو كلاهما معاً. وربما يكون تعيين «مايك فلاين» هو خير مثال على ذلك. ولنأخذ مثالاً هو «سيباستيان جوركا»، مستشار الرئيس لمكافحة الإرهاب. لقد أسس جوركا، وهو مجري الأصل، حزباً يمينياً متطرفاً في المجر عام 2007، وقد نشر موقع «ذا فوروارد» مقالات تزعم أن جوركا لديه صلات باليمين المجري المعادي للسامية، وأنه عضو محلف في جماعة حليفة للنازية في المجر تدعى «فيتيزي ريند». وأشار موقع «فوروارد» إلى أن «جوركا» قدم اسمه «سيباستيان إل في جوركا»، حيث إن أعضاء هذه المنظمة يستخدمون حرف «في» في منتصف اسمهم. وربما أصبحت خلفية جوركا مشكلة عندما هاجر إلى الولايات المتحدة، حيث إن دليل وزارة الخارجية يقول إن أعضاء جماعة «فيتيزي ريند» المذكورة «من المفترض أن يكونوا غير مقبولين»! وقد قال لي الصحفي النمساوي «كارل فيفر»، وهو متخصص في الشؤون المجرية، إن جوركا قد عمل بلاشك مع عنصريين ومعادين للسامية في المجر. ولم يرد جوركا ولا البيت الأبيض على استفساراتي. ولكن جوركا قال لموقع «ذا تابلت» إنه استخدم الحرف «في» فقط لتكريم والده. كما أن له مدافعين أقوياء قالوا إنه لم يظهر أي إشارة للعنصرية أو معاداة السامية. وكما قالت «آنا نافارو»، الخبيرة الاستراتيجية في الحزب الجمهوري في تغريدة لها: «إن دونالد ترامب يجذب بعضاً من أكثر الأشخاص غرابة وإضراراً بالسمعة». وللإنصاف، فإن ترامب قد عين أيضاً الكثير من الأشخاص الأقوياء أمثال: جيم ماتيس وإلين تشاو وإتش أر ماكماستر وجاري كوهين وستيفن منوشين وآخرين. كما أن مرشح ترامب لرئاسة المحكمة العليا «نيل جورساتش» أيضاً محامٍ من الدرجة الأولى. ومع ذلك، فإن سجل ترامب من التعيينات بشكل عام يشير إلى عدم الاكتراث بالخبرة. وهذا هو «أسوأ مجلس وزراء في التاريخ الأميركي»، كما ذكر مقال للرأي في صحيفة «واشنطن بوست». لقد كان آخر وزيرين للطاقة من العلماء المشهورين، فأحدهما حائز على جائزة نوبل، في حين أن «ريك بيري»، الذي عينه ترامب، لم يستطع حتى تذكر اسم الوزارة. وعين ترامب أيضاً المحامي المتخصص في قضايا الإفلاس «ديفيد فريدمان» سفيراً لدى إسرائيل. واختار «جيسون جرينبلات»، وهو محامٍ آخر لديه، للتفاوض بشأن السلام في الشرق الأوسط. واختار نجمة تليفزيون الواقع «أوماروسا مانيجولت»، التي لديها سجل في تضخيم سيرتها الذاتية، لتكون مساعدته. أما مدير عمليات المكتب البيضاوي فهو «كيث شيلر»، الحارس الشخصي السابق لترامب والمشهور بأنه قد أغرق متظاهراً. إن علينا إذن أن ننظر إلى فشل مشروع قانون الرعاية الصحية الجمهوري من منظور أكبر: لقد انهار الإجراء ليس لمجرد كونه مشروع قانون بغيضاً (حيث يقضي بخفض الضرائب للأغنياء وتمويل هذا التخفيض من خلال استقطاع مخصصات التغطية الصحية للمحتاجين). لقد فشل أيضاً كمثال آخر على فجوة الكفاءة في إدارة ترامب. نيكولاس كريستوف محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»