يوم أمس السبت الخامس والعشرين من شهر مارس، احتفل الاتحاد الأوروبي بمرور 60 عاماً منذ توقيع اتفاقيات روما، التي كانت بمثابة الخطوة الأولى نحو أوروبا الموحدة. ومنذ مولد المشروع الأوروبي عام 1957، استمتع المواطنون في دولنا الأعضاء بستة عقود من السلام والأمن والازدهار غير المسبوقين. وبالنسبة للدول التي ظلت لفترة طويلة في حرب، كان التكامل الأوروبي هو أكثر مشاريع السلام نجاحاً في تاريخها، وتاريخنا ككل. وعلى رغم ذلك، فإننا نعيش في أوقات من عدم اليقين، ولذا فإن الاحتفال بمرور 60 عاماً على توقيع اتفاقية روما يعد فرصة ليس فقط لإعادة تأكيد التزامنا بالقيم والأهداف التي يقوم عليها المشروع الأوروبي، بل أيضاً لاتخاذ خطوات عملية وطموحة أخرى للمضي قدماً إلى الأمام. إن العالم يمر بمرحلة من عدم اليقين الشديد: فتوازن النظام العالمي يتغير، وغالباً ما يتم التشكيك في أسس النظام الدولي القائم على قواعد ظلت سارية طيلة العقود الماضية. وسيبقى الاتحاد الأوروبي قوة حيوية على نحو متزايد للحفاظ على النظام العالمي وتعزيز استقراره، وسيعتمد من أجل تحقيق ذلك على شركائنا الدوليين مثل دولة الإمارات العربية المتحدة. ومنذ افتتاح بعثة الاتحاد الأوروبي في دولة الإمارات عام 2013، يتعاون الاتحاد ودولة الإمارات بشكل وثيق في العديد من المجالات بما في ذلك قضايا التعاون والحوار السياسي وسبل مواجهة تحديات الأمن (سبل منع الانتشار النووي، ومكافحة الإرهاب، ومواجهة القرصنة.. الخ)، والتعاون في المجالات الإنسانية والتنموية الأخرى وبالطبع توسيع وتعميق الشراكة التجارية. ويعد الاتحاد الأوروبي هو ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ونحن أكبر سوق عالمي، وفي صدارة ريادة الاستثمار أيضاً في معظم أنحاء العالم. وقد أبدى الاتحاد الأوروبي دائماً موقفاً قوياً من خلال العمل معاً وتبني موقف موحد على الساحة الدولية، وذلك من خلال لعب دور رئيسي في إزالة الحواجز أمام التجارة باعتباره عضواً في منظمة التجارة العالمية، وكذلك إبرام صفقات تجارة ثنائية مع العديد من الشركاء المهمين حول العالم -مثل اتفاقية إنشاء منطقة تجارة حرة بين الأوروبي وكندا «سيتا». وقد سمح هذا للشركات المصدرة في الاتحاد الأوروبي بالازدهار، وخلق أكثر من 30 مليون فرصة عمل. وتمثل دولة الإمارات ثامن أكبر سوق تصدير بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ونحن نعمل جاهدين لتعميق التبادلات التجارية المتنامية فيما بيننا. ومن بين الإنجازات الكبيرة التي حققها كل من الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات الاتفاقية الثنائية التي وقعتها الإمارات معه في بروكسل في عام 2015، والتي يعفى بموجبها مواطنو الدولة من تأشيرة «شنجن»، حيث تعد دولة الإمارات هي أول دولة عربية يستطيع مواطنوها السفر من دون تأشيرة إلى أوروبا (منطقة شنجن). وفي الأوقات الصعبة الراهنة التي يعيشها العالم، يعد هذا بالتأكيد علامة على أن الاتحاد الأوروبي مقتنع بتيسير التبادلات وليس تقييدها، وبتعزيز الانفتاح على العالم بدلًا من الحمائية. وسيظل الاتحاد الأوروبي قوياً، ومتعاوناً وقوة موثوقاً بها. وشركاؤنا يعلمون ما الذي نؤيده. فنحن نؤيد التعددية والتعاون الدولي. ونحن ندعم كذلك التنمية المستدامة وحقوق الإنسان والمجتمعات المنفتحة الشاملة للجميع فضلاً عن مكافحة جميع أنواع عدم المساواة. ومن ناحية أخرى، فإن الاتحاد الأوروبي هو أكبر جهة مانحة للمعونة الإنمائية على صعيد دولي، حيث تذهب هذه المعونة إلى نحو 150 دولة حول العالم. كما أنه أيضاً على استعداد دائم لمساعدة المتضررين من الكوارث الطبيعية والكوارث التي هي من صنع البشر. ولا تزال الأزمات الإنسانية تتسبب في خسائر فادحة في العديد من مناطق العالم، وفي عام 2016 وحده خصص الاتحاد الأوروبي مساعدات إغاثة تزيد قيمتها على 1,5 مليار دولار لتوفير الغذاء والمأوى والحماية والرعاية الصحية لنحو 120 مليون شخص في أكثر من 80 دولة. وفي سوريا، كان الاتحاد الأوروبي، منذ اندلاع الصراع السوري في عام 2011، هو أكبر مانح للمساعدات الإنسانية لرعاية الملايين من الرجال والنساء والأطفال النازحين بسبب النزاع. والحقيقة أننا نستثمر بصورة أكبر في التعاون الإنمائي والمعونة الإنسانية أكثر من باقي دول العالم الأخرى مجتمعة، ما يعد مصدراً للفخر بالنسبة لنا كأوروبيين. ومن ناحية أخرى، فإننا ندافع أيضاً عن وجود قواعد تعاون وتضامن عالمية أفضل، قواعد قادرة على حماية الناس ضد الاعتداء، وتوسِّع الحقوق وترفع المعايير الإنسانية. وبفضل مشاركتنا -الاتحاد جنباً إلى جنب مع دوله الأعضاء- توصل المجتمع الدولي إلى اتفاقات مبتكرة مثل أهداف التنمية المستدامة واتفاقية باريس بشأن تغير المناخ. كما يعمل الاتحاد الأوروبي أيضاً بنشاط كفاعل عالمي مؤثر في ضمان الأمن. وفي عالم من سياسات القوة الناشئة، سيضطلع الاتحاد الأوروبي بدور أكثر أهمية في المستقبل في هذا المجال أيضاً. إن وجود بيئة دولية أكثر هشاشة يتطلب مزيداً من المشاركة متعددة الأطراف في مواجهة التحديات الدولية، وليس الحد منها. ولهذا السبب فإن الاتحاد الأوروبي سيواصل دعم ومساعدة الأمم المتحدة في العديد من المجالات الحيوية، بدءاً من تعزيز بعثات السلام إلى التصدي للجوع أو مكافحة الجريمة. وأياً كانت الأحداث التي يمكن أن تقع في المستقبل، فهناك أمر واحد مؤكد: أن الاتحاد الأوروبي سيواصل تعزيز السلام والأمن الدوليين، ودعم التعاون الإنمائي وحقوق الإنسان، علاوة على الاستجابة للأزمات الإنسانية التي هي في صميم سياساته الخارجية والأمنية. باتريسيو فوندي: سفير الاتحاد الأوروبي لدى دولة الإمارات العربية المتحدة