هذه المذكرة موجهة إلى: وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومستشار الأمن الوطني الفريق هربرت ريموند ماكماستر، ووزير الأمن الوطني جون كيلي، ومدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون. أيها السادة، أكتب إليكم اليوم باعتباركم الخمسة الكبار الأكثر أهمية في إدارة ترامب. وأقول لماتيس وماكماستر وكيلي، لقد قدمتم أنتم الثلاثة خدمات مشرّفة لأمتنا، باعتباركم جنرالات أديتم واجباتكم في ميادين القتال. وأقول لبومبيو، لقد تخرجت في «ويست بوينت» وخدمت في فيلق الفرسان. وأنت يا تيلرسون، كنت تدير واحدة من أكبر الشركات في الولايات المتحدة. وأنا أوجّه رسالتي هذه إليكم بشكل مباشر؛ لأنني أعتقد أنكم «آخر الرجال الطيبين» الذين يمكنهم النهوض والعمل على وضع حدّ للانحطاط الأخلاقي الذي يعشش في إدارة ترامب على أعلى مستوى فيها. وفي آخر مرة واجه فيها وطننا داء السرطان الذي أصاب منصب الرئاسة، وقفت قيادات الحزب الجمهوري له بالمرصاد، ووضعت مصلحة الوطن فوق مصالح الحزب من أجل التوصل إلى الحقيقة. وأما اليوم، فقد أصبح الحزب الجمهوري يمثل الصورة الباهتة لما كان عليه من قبل! وفيما عدا بعض الاستثناءات القليلة، فقد أعلن الحزب عن إفلاسه الأخلاقي، وتنازل عن المسؤوليات الملقاة على عاتقه لتحديد الخطوط الحمراء التي ينبغي على الرئيس دونالد ترامب الالتزام بها. وفي البداية، أوجه السؤال التالي لأولئك الذين خدموا وطننا كضباط عسكريين: كيف ستكون ردة فعلكم لو أن قائدكم قد اتهم سلفه بارتكاب جريمة تصل خطورتها إلى حد الحنث باليمين الدستوري، ثم لا يلبث القضاء العسكري أن يكتشف بعد أسابيع قليلة أن ذلك الاتهام باطل؟ وأنت يا تيلرسون، كيف سيتصرف مجلس إدارة شركتك السابقة لو أن أرفع مسؤول تنفيذي جديد في «إكسون موبيل» قد بادر إلى اتهام سلفه بارتكاب عمل خطير يندرج ضمن إطار سوء الإدارة والتسيير، ثم لا يلبث مكتب التحقيقات الفيدرالي أن يخبر مجلس الإدارة بأن ذلك الاتهام باطل جملة وتفصيلاً؟. وهل يمكن للعسكريين أن يقولوا ببساطة: «نحن آسفون لأننا قمنا بتنفيذ ضربة بالمدفعية عن طريق الخطأ»؟. أو أن تقول يا تيلرسون: «أنا مجرّد إنسان مبتدئ في القضايا الدبلوماسية»؟! كنت أتمنى لو أنكم جميعاً قد أخذتم اليمين الدستوري على محمل الجد لاحترام وحماية الدستور والالتزام بأعلى المعايير المؤسساتية. والآن، أنا في باريس، بعد أن قضيت أسبوعاً في الشرق الأوسط. وأرى من دواعي الواجب أن أخبركم بأن العالم كله يراقبكم. وقد قابلت العديد من الشبّان العرب الذين ينتمون إلى كل دول المنطقة، وأخبروني بأن أميركا، عندما تترك الفرصة لرئيسها للابتعاد عن الحقيقة عن طريق تبني الأكاذيب وإخفاء المعلومات وتلطيخ سمعة الإعلام أو المعارضين السياسيين، فإن ذلك يؤخذ على أنه ترخيص لكل قادة الدول الأخرى لتبني السلوك المطابق تماماً والقول: «انظروا.. لقد فعل ذلك الرئيس الأميركي، فلماذا لا نفعله نحن»؟. والآن، يسود الأجانب في العالم أجمع إحساس طاغٍ بخسارة واختفاء أميركا التي تعودوا أن يروا من خلالها مظاهر التفاؤل واحتواء الآخر والكرم وحكم القانون. وقد أثبت استطلاع رأي حديث أجري في ألمانيا، مؤخراً، أن النسبية المئوية للألمان الذين يعتقدون أن «الولايات المتحدة حليف يستحق الثقة» انخفضت من 59 في المئة في نوفمبر إلى 22% في المئة الشهر الماضي. ونحن نعرف أن ترامب ورث عن سلفه «صندوق بريد عامراً بالمشاكل»، وخاصة في السياسة الخارجية، ولكن لسوء الحظ، نرى أن ترامب «يزيد ذلك الصندوق تعقيداً»، وفقاً لما قاله ريتشارد هاس رئيس «مجلس العلاقات الخارجية» في مجلس الشيوخ ومؤلف العديد من الكتب القيّمة ذات العلاقة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ومن أشهرها كتاب تحت عنوان: «عالم الفوضى: السياسة الخارجية الأميركية وأزمة النظام القديم». على أن سعي ترامب الحثيث لتبني النظام الحمائي ومعاداة المهاجرين، وخطابه وسياساته كلها، لا تؤدي إلا إلى تعميق الشكوك عبر العالم حول إمكانية الاعتماد على أميركا كحليف يستحق الثقة. ومن دون الإسراع إلى تصحيح هذا الوضع، كما يقول هاس، «فسينتهي بنا الأمر ليس إلى شعار (أميركا أولاً)، بل إلى حالة أميركا المنعزلة». والعمل على منع حدوث ذلك هو مهمتكم أنتم أيها الخمسة الكبار الطيبون. وأنا على يقين أنه لا واحد منكم على الإطلاق سيسمح لأحد بأن يسلك طريق عدم الأمانة الذي عبر عنه ترامب من خلال تغريداته الناقدة على موقع «تويتر» ضد سلفه أوباما. وإذا تحدثتم عن هذه الأمور من دون أن تفعلوا حيالها شيئاً، في الوقت الذي لا يتوقف فيه قائد الأمة عن الإساءة لسلفه، فلن يقتصر الأمر عندئذ على فقدانكم لمصداقيتكم، بل سيتعدى ذلك إلى الإيحاء لبلدان العالم الأخرى بأنكم لم تتمكنوا من الحفاظ على المعايير التي يتطلبها حكم القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان. وعندئذ، سنتحول إلى بلد أقل شأناً، وربما إلى مكان أكثر انطواء على الخطر. -------------------- توماس فريدمان* * محلل سياسي أميركي حائز على جائزة «بوليتزر» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»