وصم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما «انعدام المساواة» أو التفاوت في الدخل، بأنه التحدي الأبرز في زمننا هذا، لكن ما سبب ذلك؟ ولماذا زمننا على وجه التحديد؟ ربما يرجع ذلك بصورة جزئية إلى أننا نعرف الآن كم يذهب إلى قمة هرم توزيع الدخل، ونعرف أن النمو الاقتصادي الأميركي الأخير، الذي أصبح هزيلاً على أية حال، قد صبّ بشكل كبير في مصلحة الأغنياء الذين تركوا الركود الاقتصادي، أو ما هو أسوأ، لكثير من الأميركيين. ويبقى السؤال ما يضير الفقراء إذا طور «مارك زوكربيرج» موقع «فيسبوك» وأصبح ثرياً من نتاج إيراداته؟ والحقيقة أن البعض يكترث لعدم المساواة في توزيع الدخل في حد ذاته، والبعض يهتم بشأن تضاؤل الفرص أمام الأجيال المقبلة، والبعض يكترث إلى كيفية ثراء الناس، بينما يقدرون العمل والإبداع، ويمقتون السرقة، سواء أكانت مقننة أم لا. ورغم ذلك، ثمة تهديد واحد لانعدام المساواة يخشاه الناس على نحو واسع النطاق، ويخضع للنقاش منذ مئات السنين، ألا وهو الخشية من أن يؤدي انعدام المساواة إلى تقويض الحكم. وفي كتابه الجديد، المعنون: «أزمة دستور الطبقة المتوسطة.. لماذا يهدد انعدام المساواة جمهوريتنا؟»، يزعم المؤلف «جانيش سيتارامان» أن التفجر المعاصر لأزمة تفاوت الدخل من شأنه أن يقوض الدستور الأميركي، الذي يرتكز على وجود طبقة متوسطة كبيرة ومزدهرة. ويسدي الكتاب خدمة جليلة لشريحة كبيرة من الأميركيين، بتناول قضية ذات أهمية كبيرة، من خلال التعمق في تاريخها، والمساعدة في فهم كيفية التعامل في الماضي مع هذه المعضلة، وتقديم اقتراحات للتعامل معها في الوقت الراهن. وكما هو معروف منذ العصور القديمة، يؤدي التعايش بين الأغنياء والفقراء إلى إحدى إمكانيتين، وكلتاهما سيئتان، فإما أن يحكم الأثرياء وحدهم ويحرمون الفقراء، أو أن يتمكن الفقراء من النهوض ومصادرة ثروة الأغنياء. ويميل الأغنياء إلى اعتبار أنفسهم أفضل من الفقراء، وهو ميل تم تعزيزه أو السماح به اجتماعياً في الأنظمة «الميرتقراطية»، أو تلك التي يعتمد فيها الحكم على جدارة الأفراد. أما الفقراء، ممن لا أمل لهم في تحقيق تحسن اقتصادي، ولا سبيل لهم إلى السلطة السياسية، فربما «يتحولون إلى قوة ديماغوجية لإطاحة الحكومة، لا لشيء سوى التحول إلى مستبدين». ويشير المؤلف إلى أن «حكم القلة» أو «الاستبداد»، ومن ثم التفاوت الاقتصادي، يفضي إلى انهيار الجمهورية. وأشار «سيتارامان» إلى أن بعض الدساتير كتبت لتحتوي «انعدام المساواة في الدخل». ففي روما، حكم الأرستقراطيون، قبل أن تتمكن القبائل العامة من السيطرة على الحكم لحماية الفقراء. وأوضح المؤلف أن هناك «دساتير» ترسخ للأعيان والعامة، ويصبح لكل منهم دوره المحدد. ويصف «سيتارامان» هذا النوع بـ«دساتير الرفاهية الطبقية». ويزعم أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة وجدوا طريقة أخرى هي جمهورية «المساواة». وأضحى من الممكن أن تصبح الطبقات المتوسطة التي لم تكن مهووسة بتحقيق السعادة، كما كان الأغنياء، ولا بتلبية الاحتياجات الأساسية كالفقراء، وإنما لجأت إلى المنطق، أساساً راسخاً لأية جمهورية تبحث عن المصلحة العامة، وعلى الرغم من أنه لا تكاد تكون هناك أدلة على انخفاض معدلات التفاوت في الدخل والثروة خلال القرن الثامن عشر، لكن المؤكد أن أميركا في البداية كانت مجتمعاً زراعياً بحدود مفتوحة، ولم يكن هناك سبب لفقر أحد مع توافر الأراضي في الغرب. وينوّه المؤلف إلى أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة شعروا بقلق كبير من أن يصبح الناس أغنى من اللازم، فـ«جيفرسون» كان يفخر بإنجازه المتمثل في إلغاء الإرث أو «البكورية»، التي تقضي بحصول الابن البكر على الإرث كله في فيرجينيا، وسنّ قوانين تجتث «الأرستقراطية الزائفة». أما الآن مع عودة انعدام المساواة في الدخل بكامل قوتها، فيبدو من الواضح أن الولايات المتحدة تواجه خطراً داهماً بأن يستحوذ على الحكومة أشخاص سيستغلونها في إثراء أنفسهم، مع استمرار حرمان شرائح كبيرة من المجتمع، حسبما يرى المؤلف. ويقترح كثيراً من الإصلاحات الممكنة، من بينها إعادة التوزيع، بحيث يتم تقليص التفاوت، وتطبيق قوانين منع الاحتكار بطريقة أفضل، وإصلاح نظام تمويل الحملات الانتخابية لكسر اعتماد المشرعين على «جيوب عميقة»، والتصويت الإلزامي، وفرض قيود على جماعات الضغط. وعلاوة على ذلك، يقترح إنشاء نظام رعاية صحية تدفع له جهة واحدة، لأن التضخم المصطنع في تكاليف الرعاية الصحية يعزز التفاوت بخلق ثروات ضخمة بيد قلة، بينما يؤدي إلى تآكل الأجور. ويناقش «سيتارامان» اقتراحاً يبدو غير مألوف وغامض، وهو فكرة إحياء نظام «منصة محامي الشعب»، التي تعود إلى العصر الروماني، والتي تضم 51 مواطناً يتم اختيارهم بالقرعة من بين عامة الشعب، وتكون لهم صلاحية الاعتراض على قانون واحد وأمر تنفيذي واحد، وقرار واحد للمحكمة العليا كل عام، ويكون بمقدورهم الدعوة إلى استفتاء، وسحب الثقة من مسؤولين فيدراليين. ويبدو هذا الاقتراح خيالياً في الوقت الراهن، لكن كذلك إصلاح نظام تمويل الحملات الانتخابية. وائل بدران الكتاب: أزمة دستور الطبقة المتوسطة المؤلف: جانيش سيترامان الناشر: ألفريد نوف تاريخ النشر: 2017