يقدم هذا الكتاب ترجمة كاملة لحياة الرئيسة الليبيرية إيلين جونسون سيرليف، زعيمة الحركة النسوية الليبيرية، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وأول رئيسة منتخَبة بطريقة ديمقراطية في تاريخ أفريقيا. وهو من تأليف هيلين كوبر، مراسلة صحيفة «نيويورك تايمز» الحائزة على جائزة بوليتزر. كتابها «السيدة الرئيسة» يحكي أكثر من مجرد قصة حياة إيلين جونسون سيرليف، التي كسرت الحواجز السياسية والثقافية حين غدت أول امرأة تُنتخب رئيسة لبلد أفريقي، بل يتعداه ليحكي أيضاً قصة هذا البلد الذي يُعد أول وأقدم جمهورية حديثة في أفريقيا. الكتاب يعود بالقارئ إلى سنة 1820، عندما وصل أول أفواج العبيد المحررين إلى ليبيريا في إطار برنامج لـ«جمعية الاستعمار الأميركية»، مستعرضاً الحياة السياسية المشحونة للبلاد وتاريخها العنيف، ثم ينتقل بنا عبر عقود عديدة إلى الأمام ليتناول أزمة إيبولا التي عُدت أسوأ فترة ضمن ولايتي سيرليف في الرئاسة. تبدأ القصة على نحو مفعم بالأمل مع ولادة سيرليف في 1938، في وقت كان يعم فيه البلاد سلام نسبي. فقد تميزت طفولتها بتنبؤ عراف محلي بأن يكون للمولودة الجديدة شأن عظيم عندما تكبر. وبعد ذلك، يمضي الكتاب في اتجاه إظهار إلى أي حد كانت هذه النبوءة صادقة وكيف عملت سيرليف على إعداد نفسها للزعامة طوال مسار حياتها. كانت أحلام سيرليف كبيرة وجريئة، تقول كوبر. ذلك أن النساء كان لديهن دور خاص ومحدود في المجتمع الليبيري حيث كن في الغالب يبعن بعض الأشياء الصغيرة في الأسواق، وينجبن الأطفال، ويشرفن على مزارع العائلة. لكن سيرليف لم تنتفض على هذه الأعراف والتقاليد بشكل فوري، بل تزوجت في سن السابعة عشرة وأنجبت أبناءها الأربعة على بعد فترات قصيرة. غير أنها عندما واجهت الاختيار الصعب الذي تواجهه معظم الأمهات المتزوجات في العالم: الاختيار بين الأطفال أو المسار المهني، سعت سيرليف للتوفيق بين الاثنين، لكنها اختارت لاحقاً الذهاب إلى أميركا رفقة زوجها قصد متابعة دراستها، تاركةً أطفالها وراءها. ولدى عودتها إلى ليبيريا بشهادة جامعية في المحاسبة بعد عامين، حصلت على وظيفة كمديرة لقسم خدمة الدَّين في وزارة الخزانة الليبيرية. وفي النهاية، افترقت عن زوجها الذي كان يسيء معاملتها وتحملت مزيداً من فراق مع أبنائها أثناء تدرجها في مسارها المهني ومتابعتها لتعليمها العالي، الذي توّج بحصولها على شهادة الماجستير في الإدارة العامة من كلية كينيدي في جامعة هارفارد. ولدى عودتها إلى ليبيريا، ترقت في المناصب إلى أن أصبحت وزيرة للمالية. وفي 1980، عندما قُتل رئيس البلاد، لم تصب سيرليف بمكروه، لكنها وُضعت رهن إقامة جبرية قصيرة قبل أن تغادر البلاد للعمل في مؤسسات مالية دولية. وبعد خمس سنوات على ذلك، عادت إلى ليبيريا وترشحت لعضوية مجلس الشيوخ. لكن بعد الحملة الانتخابية، تعرضت للاعتقال من جديد بسبب انتقادها الحكومة العسكرية، وحُكم عليها بالسجن 10 سنوات مع الأشغال الشاقة، غير أنه سرعان ما أُفرج عنها بعد تسعة أشهر نتيجة ازدياد الضغوط الدولية. سيرليف غادرت البلاد من جديد قاصدة أميركا. وبعد ذلك حصلت على وظيفة كمديرة لبرامج التنمية الأفريقية في الأمم المتحدة، لكن ليس قبل أن تشهد مزيداً من الفظاعات في وطنها خلال الحرب الأهلية التي اجتاحت البلاد في التسعينيات. حربٌ كانت النساء ضحاياها الأبرز، حيث كانت حياتهن مهددة، وكان أطفالهن يرغَمون على القتال كجنود صغار، وبناتهن يُغتصبن. فتبنت قضية النساء وأصبحت من أبرز المدافعات عنهن. وتقول كوبر إن التجارب الشخصية التي عاشتها –رؤية النساء يتعرضن للعنف، ومشاهدة مجانين يحكمون بلدها– كان لها دور كبير في تحفيزها للسعي وراء السلطة. وعندما ترشحت للانتخابات الرئاسية، كان شعار التعبئة في الشوارع هو: «إيلين.. إنها رجلنا». غير أنه كان لديها لقب آخر هو: السيدة الحديدية، كنايةً عن جلَدها وقوة تصميمها، وإشارة إلى «ما تكبدته من سجن، ولقاءات متكررة مع الموت، وأهواء الرجال الأقوياء المختلفين الذين حكموا ليبيريا». لكن اللقب يحيل أيضاً إلى قوتها الجسدية؛ فهي لم تكن تتعب أبداً، تقول كوبر. فأثناء خوضها الحملة الانتخابية، تعهدت بزيارة كل مقاطعات ليبيريا الخمس عشرة، وهو ما وفت به حيث كانت تذهب إلى مناطق نائية بوساطة السيارة طوال الليل، على طرق غالباً ما تكون غير معبدة ومليئة بالحفر، تقول كوبر. وبعد فوزها في انتخابات 2005، التي تغلبت فيها على منافسها نجم كرة القدم الليبيري جورج وييا، فوزاً لعبت فيه النساء البسيطات اللاتي ناصرنها دوراً كبيراً، استغلت وضعها وعلاقاتها لمعالجة معضلة عبء الدين الخارجي الذي كان يثقل كاهل البلاد، والذي كان يبلغ 4.7 مليار دولار. وبمساعدة من أصدقائها الدوليين، نجحت في إقناع المؤسسات الدولية المقرضة بشطب ديون البلاد. وتشير المؤلفة إلى أن حملة سيرليف الثانية من أجل ولاية رئاسية ثانية كانت أسهل نسبياً من الأولى، وإنْ واجهت فيها اتهامات بالمحسوبية بسبب تعيين أقارب لها في مناصب حكومية رفيعة. وفي 2011، كانت سيرليف واحدة من ثلاث نساء فزن بجائزة نوبل للسلام، وبعد أربعة أيام على ذلك، أعيد انتخابها رئيسة للبلاد. عندما فازت سيرليف بالانتخابات الرئاسية الليبيرية أول مرة في 2005، حطمت حاجزاً كانت قلة قليلة من النساء تعتقد أنه يمكن اختراقه، فقضت على قرون من الحكم الذكوري لتصبح أول رئيسة في تاريخ أفريقيا. «السيدة الرئيسة» كتاب يحكي تطور سيرليف من أم ليبيرية عادية لأربعة أولاد إلى مديرة مصرفية دولية، ومن ضحية للعنف الأسري إلى رمز سياسي، ومن رئيسة للبلاد بعد الحرب الأهلية إلى فائزة بجائزة نوبل للسلام. محمد وقيف الكتاب: السيدة الرئيسة.. الرحلة الباهرة لإيلين جونسون سيرليف المؤلفة: هيلين كوبر الناشر: سايمون آند شوستر تاريخ النشر: 2017