المقارنة بين رؤية عربية خليجية صدرت هذا الأسبوع لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وبين رؤية إسرائيلية لنفس الموضوع صدرت هي الأخرى مؤخراً، تكشف أمرين: أولهما أن الفجوة بين الرؤيتين العربية والإسرائيلية آخذة في الاتساع، أما الثاني فهو أن دول مجلس التعاون الخليجي تمثل قلعة صلبة لحماية الحقوق الوطنية الفلسطينية والدفاع عنها في المحافل الدولية. لقد جاء التعبير عن هذه الرؤية العربية يوم الاثنين الماضي في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، وذلك من خلال مناقشة البند السابع الثابت على أجندة المجلس. هذا البند يحاول الإسرائيليون إقناع الدول بشطبه من الأجندة، لأنه يمثل تهديداً لسياسات الاحتلال الإسرائيلي للضفة وفضحاً، حيث إنه بند يلزم مجلس حقوق الإنسان بمناقشة الانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني ثلاث مرات سنوياً لمتابعة أوضاع الشعب الخاضع للاحتلال. لقد أصدرت دول مجلس التعاون الخليجي بياناً مشتركاً ألقاه سفير البحرين لدى المجلس، وهو بيان يستحق من العرب الإشادة. فقد طالب البيان الخليجي أعضاء مجلس حقوق الإنسان العالمي بالحفاظ على البند السابع المذكور لما له من دور حيوي في إلقاء الضوء على الانتهاكات التي ترتكبها سلطات الاحتلال بصورة منهجية منتظمة ومتعمدة لحقوق الشعب الفلسطيني. طبعاً هذه المطالبة العربية الخليجية تتناقض تناقضاً جذرياً مع الرؤية الإسرائيلية لموضوع حقوق الفلسطينيين. إنها رؤية الأطماع التوسعية الغاصبة التي تقوم على قضم الأرض المحتلة، سواء أكانت أرضاً مملوكة ملكية عامة للشعب الفلسطيني أم مملوكة ملكية خاصة لأفراد فلسطينيين وتهويدها من ناحية، وترتكز من ناحية ثانية على استراتيجية القمع للشعب الفلسطيني. إن البيان العربي الخليجي لم يتوقف عند مسألة البند السابع بل تجاوز هذه المسألة إلى أفق أوسع عندما راح يؤكد بعبارات واضحة الالتزام بالرؤية التي يتبناها العرب في مبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة بيروت عام 2002، وهو تأكيد شديد الأهمية ليس فقط من حيث المبدأ بل وأيضاً من حيث التوقيت في هذه المرحلة التي تقوم فيها إدارة الرئيس ترامب بتكوين رؤيتها لمشروعها للسلام بين العرب وإسرائيل. لقد أكد البيان الخليجي أن السلام العادل والشامل لا يتحقق سوى بانسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة في عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. إن البون شاسع بين هذه الرؤية ورؤية قادة معسكر اليمين الإسرائيلي الذين يجاهرون مؤخراً برفض حل الدولتين ويعلنون أن هذا الحل قد تم دفنه بوصول الرئيس ترامب للحكم، وأنه لا مكان بين النهر والبحر إلا لدولة واحدة هي إسرائيل، وأن الحل الممكن للشعب الفلسطيني في الضفة هو منحه حكماً ذاتياً يدير فيه شؤونه الداخلية تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية. هذه الرؤية الإسرائيلية لا تتعمد حرمان الشعب الفلسطيني من دولة مستقلة فحسب بل تقصيه في إطار حل الدولة الواحدة عن الحياة السياسية الإسرائيلية وحقوق المواطنة. إن إدارة ترامب بحاجة إلى الاستماع إلى هذه الرؤية العربية لإعادة تشكيل مشروعها للسلام على نحو يلبى مقتضيات السلام العادل والشامل، لا أن يلبي أطماع اليمين الإسرائيلي، وهي رؤية لا شك ستؤكدها القمة العربية المقبلة.