الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصيةٌ متنمرة. والرئيس الكوري الشمالي يُعتبر كيم شخصية متنمرة ومتهورة ذات صلاحيات ديكتاتورية، كما أن كليهما لديه أصبع على زناد السلاح النووي. ولهذا، فإن الكثير من خبراء الأمن القومي الأميركي من كلا الحزبين يرون أنه لا يوجد ثنائي أكثر مدعاة للخوف منهما. ذلك أن الأمر لا يقتصر على حقيقة أن نظام كيم الكوري الشمالي طوّر قدراته بخصوص الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، أو أن «كيم» يرى في الأسلحة النووية بوليصة تأمين ضد خصومه، وإنما يتعداه ليشمل أيضاً حقيقة أن ترامب لا يُبدي فهماً للتاريخ أو المعرفة ويُظهر اندفاعاً لإظهار أنه شخص قوي وحازم. ترامب سبق أن وصف كيم بأنه «رجل مجنون»، وهي من الأشياء القليلة التي كان مصيباً بشأنها بخصوص كوريا الشمالية، غير أن التعامل معه يتطلب قدراً من الصبر ودبلوماسية ذكية –وهما شيئان لا يمثلان نقاط قوة ترامب – واعتماداً على التحالفات والصداقات التي قلل من شأنها. وفي هذه الأثناء، قال وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون»، خلال جولته الآسيوية، إن الدبلوماسية مع كوريا الشمالية لم تنجح وإن ثمة «مقاربة جديدة». ولعل الأهم من ذلك أن وزير الدفاع الأميركي «جيمس ماتيس» أبهر الخبراء المتخصصين في الشؤون الآسيوية خلال زيارته إلى اليابان وكوريا الجنوبية الشهر الماضي، حيث طمأن الحلفاء بأن الالتزامات الأميركية لم تتغير رغم خطاب «أميركا أولاً» الذي يتبناه ترامب. والواقع أن هذه الإدارة بطيئة التشكل تضم القليل من المتخصصين في آسيا؛ غير أنه إذا أصغى ترامب إلى «ماتيس» ومستشاره في الأمن القومي إتش. آر. ماكماستر، فسيكون ثمة شعور بالارتياح في طوكيو وسيئول وواشنطن بشأن المقاربة تجاه كوريا الشمالية، وبالتالي دعونا نأمل ألا يركن الرئيس، بدلاً من ذلك، إلى ميله إلى الاعتماد على الشعور الغريزي أو مستشاره المثير للجدل «ستيف بانون». ترامب كان قد دعا بالفعل إلى وجود نووي أكبر في آسيا خلال حملة 2016 الرئاسية، وقال إن لدى الصين «سيطرة تامة» على كوريا الشمالية ملوحاً إلى أنه سيطلب من الرئيس الصيني «شي جين بينغ» ممارسة الضغط على الديكتاتور الكوري الشمالي وإلا، والحال أن الصين لا تملك أي شيء يشبه «سيطرة تامة» على كيم جونغ أون. إنها مستاءة من تهوره وقلقه من تطور برنامجه النووي. والأهم من ذلك أن بكين تخشى انهيار النظام، الأمر الذي سيؤدي إلى تدفق ملايين اللاجئين عبر الحدود وقد يفضي إلى كوريا موحدة، وبالتالي زوال منطقة عازلة استراتيجية بالنسبة للصين، فالصينيون يرغبون في الضغط على كيم، ولكن مصالحهم مختلفة عن مصالح أميركا. هذا الوضع يزيد من صعوبته انعدام الاستقرار السياسي في كوريا الجنوبية، التي تم فيها عزل الرئيسة بارك جون هاي مؤخراً على خلفية تحقيق في قضايا فساد. ومن المرتقب أن يتم انتخاب زعيم جديد في مايو المقبل، قد يكون شخصاً أكثر ميلاً إلى التوافق بخصوص العلاقات مع «الشمال». غير أنه من المخاوف التي يعبّر عنها بعض الخبراء هو أن يوافق ترامب، الذي يتصور نفسه مفاوضاً بارعاً، على إبداء مقاومة أقل تجاه طموحات الصين في بحر جنوب الصين في مقابل وعد من «شي» بممارسة ضغط أكبر على كوريا الشمالية. أما مبعث القلق الآخر، فهو أن يستطيع الديكتاتور الكوري الشمالي المصاب بجنون العظمة دفع ترامب إلى تبادل كلامي يبدأ على «تويتر» وينتهي حيثما قد لا تحمد عقباه. إن العقوبات الاقتصادية تؤذي كوريا الشمالية. والهجمات الإلكترونية قد تعرقل بشكل مؤقت برنامج أسلحتها النووية. وفي الأثناء، تقوم الولايات المتحدة حالياً، ضمن تطور يثير حفيظة الصين، بنشر نظام دفاع صاروخي في كوريا الجنوبية. غير أنه على مدى أكثر من ربع قرن، لم تنفع الجزرات ولا العُصيّ في كبح جماح النظام الكوري الشمالي، سواء في عهد الإدارات «الجمهورية» أو «الديمقراطية». وفي غياب حل جيد، فإن المقاربة الأقل سوءاً هي محاولة التفاوض حول اتفاق مؤقت، بتعاون مع الصين واليابان وكوريا الجنوبية، ينص على تجميد برنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي، مع ضمان التحقق من ذلك، في مقابل رفع بعض العقوبات الاقتصادية والسعي للتوصل إلى اتفاق طويل المدى. وهناك نموذج في الواقع: الاتفاقية النووية التي تفاوض بشأنها أوباما مع إيران، والتي وصفها ترامب ذات مرة بأنها «أسوأ صفقة» في التاريخ. ألبرت هانت محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»