خلال مؤتمر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيَّة الثاني والعشرين الذي عقد في أبوظبي، يومي 21، و22 مارس الجاري وحمل عنوان: المنطقة إلى أين: تحديات أسعار النفط؟"، كان لتجربة الإمارات قي تعاملها مع الأزمات الكبرى حضور، ولقضايا العرب تأثير، ولمواقف دول العالم وخاصة الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب مساءلة، وبدَا الحديث عن المنطقة العربية غير بعيد، بل هو من عمق قضايا العالم، ليس فقط لأن مصالح الدول الكبرى في مختلف المجالات وخاصة الطاقة مرتبطة بما ستؤول إليه دولنا، وإنما لأن مستقبل العلاقات الدولية برمتها لا يمكن صناعته بعيداً عن ما يحدث لدينا من تغيرات، بما فيها تلك الخاصة بالبعد السياسي. وبغض النظر عن الرؤى والتصورات والتوقعات التي شهدتها جلسات المؤتمر من طرف خبراء أجانب وعرب، وهي بوعي وشمولية قائمة على التنظير والتحليل لجهة رفضها أو قبولها سواء من صُنّاع القرار أو من الرأي العام، فإنها حققت استراتيجية مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية من حيث طرحه للقضايا الشائكة والجديدة أولاً، واستشرافه للمستقبل ثانياً، ومتابعته للتطورات والتحديات التي تواجه دول المنطقة والعالم ثالثاً، وهذا تأكَّد خلال السنوات الماضية، ويمكن العودة إلى كتب المؤتمرات التي تم نشرها لمعرفة مسار المركز، وجدِّيته، وإشعاعه المعرفي في حياتنا البحثيَّة العربية. وبالعودة إلى موضوع المؤتمر: المنطقة إلى أين؟ فقد اتَّضح من خلال الأوراق المقّدمة والنقاشات المصاحبة لها، أن العرب ليسوا وحدهم في هذه المنطقة مع أنها من الناحية الجغرافية والتاريخية والوجودية خاصة بهم، فهناك أطراف أخرى آتية من بعيد لتحدد مستقبلنا ضمن رؤيتها لمصالحها القومية، وأيضاً في نطاق تصورها للعالم والعلاقات الدولية، من ذلك على سبيل المثال الولايات المتحدة الأميركية بقيادة ترامب، وهو ما ظهر في بحوث خبراء أميركان، رفضاً أو تأييداً لسياسته، وعلى المنوال ذاته تسير بعض الدول الأخرى، مثل روسيا من خلال وجودها العسكري في سوريا. وهناك دول قدّر لها ولنا أن توجد معنا في هذه المنطقة من العالم، لكن تصر على أن تكون مخالفة، ومتدخلة في شؤوننا وتصل في فعلها إلى درجة العداوة، مثل: إيران في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان، وأيضاً تركيا بتدخلها في كل من سوريا والعراق، وهناك إسرائيل ذلك العدو التقليدي، وهذه الدول جميعها، تشارك في صياغة تاريخ المنطقة، وإعادة ترتيب جغرافيتها إن استطاعت لذلك سبيلاً. من ناحية أخرى، فإن اتجاه مسار المنطقة لا يتحدد فقط من التدخلات الخارجية، ولكن أيضاً من انهيار الجبهات الداخلية في كثير من دولنا العربية، وتفشّي ظاهرة الإرهاب، وتراجع أسعار النفط، واختلاف المصالح وتضاربها، وفي اضطراب العلاقات الجماعية والبينية بين الدول العربية، وتبعيتها للدول الأخرى، حتى أن التصنيف السياسي العربي في الوقت الراهن، يقوم على فكرة الإضافة للآخرين. وإذا كُنَّا نقرُّ بأننا جزء من المشهد الدولي العام، المتميز في الوقت الراهن بالارتباك وعدم اليقين، وبالتالي فنحن نتأثر به بشكل مباشر أو غير مباشر، على مستوى اتخاذ القرار، وعلى مستوى أوضاعنا الداخلية، فإن تحديد اتجاه المنطقة مرتبط بالتطورات المنتظرة في ذلك المشهد، ما يعني أن الإجابة عن السؤال الذي قام عليه مؤتمر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية من منطلق أنه يمثل إشكالية بحثية، غير مؤكدة، وما قُدِّم في جلساته نوع من المقاربات والتوقعات، المرهونة بما سيتخذ صُنّاع القرار السياسي في الدول الكبرى، وبالتأكيد سيكون ترامب أكثرهم تأثيراً.