محتوى كوب من مشروب الشوكولاته الساخنة من الملح، والمنتج من قبل شركة عالمية شهيرة في مجال الأغذية والحلوى، يزيد على محتوى الملح في كيس من رقائق البطاطس المملحة أو «الشيبس». هذه الحقيقة المذهلة خرجت بها إحدى الجمعيات الخيرية البريطانية العاملة في مجال توعية العامة بمحتوى الأغذية الشائعة من الملح، وبالتبعات الصحية والمضاعفات الخطيرة التي قد تنتج عن الإفراط فيه. وبخلاف مشروب الشوكولاته هذا، والذي يحتوي كل 100 جرام منه على 2,5 جرام من الملح، أي قرابة سبعة عشر ضعف الحد الأقصى الموصى به أو 0,15 جرام فقط لكل 100 جرام، كان ضمن سلَّتي تسوق، قامت الجمعية الخيرية بالمقارنة بينهما. السلة الأولى احتوت على أغذية صحية قليلة الملح، أما السلة الثانية فكانت الأغذية غير الصحية هي السائدة فيها. وبمقارنة السلتين، اكتشف الباحثون أن أطعمة السلة غير الصحية تحتوي على 57 جراماً من الملح أزيد من أطعمة السلة الصحية، وهو ما يعتبر فرقاً هائلاً، بناءً على أن التوصيات الصحية تنص على أن لا يزيد المتناول يومياً من الملح عن 6 جرامات فقط، وأقل من ذلك في حالة الأطفال وصغار السن. وتأتي هذه التوصيات على خلفية ما قد يؤدي إليه الإفراط في تناول الملح من مضاعفات صحية خطيرة. أشهر تلك المضاعفات، هو ارتفاع ضغط الدم، حيث أظهرت الدراسات المتتالية خلال العقود الماضية، وجود رابطة قوية بين ارتفاع ضغط الدم وبين الإفراط في استهلاك ملح الطعام. وفي إحدى تلك الدراسات، اتضح أن من يتميزون بضغط دم يصل إلى الحد الأعلى من المدى الطبيعي -أي لا يتمتعون بتشخيص كامل بالإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم- يمكنهم خفض احتمالات إصابتهم بأمراض القلب والشرايين بنسبة 25 في المئة، من خلال خفض استهلاكهم للملح بقدر مناسب. ويعتبر مرض ارتفاع ضغط الدم من الاضطرابات الصحية واسعة الانتشار، في الدول النامية والفقيرة، والصناعية والغنية، على حد سواء، وإن كانت معدلات الانتشار تتفاوت بشكل كبير بين قارة وأخرى، وبين دولة وأخرى، حيث يصيب المرض مثلاً، مجرد 3,4 في المئة من الرجال في قرى وريف الهند، لترتفع هذه النسبة إلى 69 في المئة بين الرجال في بولندا. وبوجه عام، يصيب ارتفاع ضغط الدم ما بين 30 في المئة إلى 45 في المئة من الرجال والنساء من سكان الدول الأوروبية. ومن المنظور العالمي، وحسب تقديرات عام 2014، يصيب ارتفاع ضغط الدم نحو مليار شخص، وهو ما يعادل 22 في المئة -واحد من كل خمسة تقريباً- من أفراد الجنس البشري البالغين، وشهدت العقود الأخيرة تزايداً مستمراً في معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وهي الزيادات المرشح لها بالاستمرار والاضطراد خلال العقود القادمة أيضاً، في ظل سقوط إنسان العصر الحديث في نمط حياة غير صحي، تتعاظم فيه عوامل الخطر المؤهلة للإصابة بارتفاع ضغط الدم، وغيره من الأمراض المزمنة. وتعتبر هذه العلاقة بين ملح الطعام وضغط الدم، والمعروف بالقاتل الصامت، السبب خلف منح الملح لقب القاتل الخفي هو الآخر. ويرتبط أيضاً فرط استهلاك الملح بزيادة احتمالات الإصابة بهشاشة العظام، وحرقة وقرحة المعدة، وسرطانها، وقرحة الاثنى عشر، وتضخم البطين الأيسر للقلب، والأزمة الشعبية أثناء ممارسة التمارين الرياضية. أما أخطر المضاعفات الصحية الناتجة عن استهلاك كميات كبيرة من الملح فهي الوفاة، من خلال ما يعرف بالتسمم بالملح. وينتج التسمم بالملح غالباً عن طريق الخطأ، كخطأ الأم عند تحضير طعام طفلها، وخلطها بين الملح والسكر، ثم إرغام الطفل على تناول الطعام المالح غصباً عنه. ومن الممكن اتخاذ بعض الخطوات البسيطة التي يمكنها خفض حجم المتناول من الملح في الطعام اليومي، مثل مقارنة المعلومات الغذائية على عبوات الأطعمة عند التسوق، واختيار الأطعمة الأقل في محتواها من الصوديوم، وتغيير الاختيارات الغذائية تدريجياً، حتى ولو نوعاً واحداً في الأسبوع، إلى أن يصل المرء بمرور الوقت لاختيارات غذائية معتادة منخفضة في الملح، مثل شراء الخضراوات المعلبة والبقوليات المعلبة المنخفضة الملح، مع الأخذ في الاعتبار أن اللحوم والأسماك المصنعة، مثل البسطرمة والروزبيف، والتركي المدخن، والدجاج المدخن، والمورتدلا، والبولوبيف، والرنجة، والفسيخ، تعتبر كلها من الأطعمة مرتفعة المحتوى من الصوديوم، والذي غالباً ما يضاف أثناء عملية التصنيع، وهو ما ينطبق أيضاً على صلصة المعكرونة، وخصوصاً تلك المحتوية على الجبن. وبوجه عام، لا يجب استهلاك كميات كبيرة من الأطعمة التي يشكل الملح جزءاً أساسياً من مكوناتها، مثل المخللات، وصلصة الصويا، والمسطردة، والمايونيز، والاعتماد بدلاً من ذلك على أطعمة صحية مثل الخضراوات والفواكه عند الرغبة في تناول وجبة خفيفة سريعة (سناك)، بدلاً من الاعتماد على الأطعمة المصنعة أو المعلبة.