استطاع الباحثون والأكاديميون والخبراء المشاركون في المؤتمر السنوي الثاني والعشرين لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية حول «المنطقة إلى أين: تحديات أسعار النفط»، الذي انتهت فعالياته، أمس الأربعاء، أن يقدموا تشخيصاً دقيقاً للتحديات التي تواجه المنطقة على المستويات المختلفة، وكيفية التفاعل البنّاء معها، وبما يسهم في حماية الاستقرار في الدول العربية على المستويات كافة. لقد كان هناك إجماع واضح على أن المنطقة تشهد مجموعة من التحديات غير المسبوقة في تاريخها: السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي تمثل تهديداً لأمن واستقرار العديد من دولها، ولعل في مقدمتها الخطر الإيراني، الذي وصفه صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، بأنه «حقيقي ومحدق» بدول المنطقة؛ لأن كل محاولات ترشيد سلوك طهران وسياساتها باءت بالفشل خلال السنوات الماضية، هذا فضلاً عن تنامي مخاطر الجماعات المتطرفة والإرهابية، التي تسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في دول المنطقة. أما فيما يتعلق بالتحدي الاقتصادي الأبرز الذي يواجه دول المنطقة، فيتعلق -كما أشار العديد من الخبراء والباحثين- إلى كيفية التكيف الإيجابي مع هبوط أسعار النفط، والقيام بإصلاحات هيكلية في اقتصاداتها بعيداً عن النفط، من أجل بناء اقتصادات قوية تتسم بالاستدامة والتنوع. لقد شكلت التوصيات النهائية الصادرة عن المؤتمر في مجملها خريطة طريق لكيفية التعامل البنّاء مع هذه التحديات، فعلى الصعيدين السياسي والأمني، أكد المشاركون في المؤتمر أهمية العمل على معالجة حالة الانكشاف السياسي والأمني والاقتصادي في المنطقة العربية، بما يحقق الأمن والاستقرار داخل دول المنطقة، ويحصِّنها ضد أي تدخلات خارجية في شؤونها، وتعزيز مستوى التنسيق والتعاون العربي، سياسياً وعسكرياً وأمنياً، في مواجهة الأخطار في البيئتين الإقليمية والدولية، ووضع الخطط والسياسات التي تحقق التوازن في منطقة الخليج العربي بين دول «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» من جانب، وإيران من جانب آخر، بما في ذلك تعزيز القوة الذاتية لمجلس التعاون الخليجي، وتمتين الوحدة الخليجية، والعمل على عودة العراق إلى الصف العربي، وبناء روابط وثيقة بين اليمن ودول المجلس، باعتبار أن الخلل في ميزان القوى بالمنطقة يمثل خطراً كبيراً على أمن دول الخليج العربية واستقرارها ومصالحها. وعلى الصعيد الاقتصادي، فقد خلص المشاركون في المؤتمر إلى ضرورة التكيُّف الإيجابي من جانب دول المجلس مع انخفاض أسعار النفط، من خلال اتخاذ إجراءات نوعية، ووضع سياسات اقتصادية جديدة، يمكن من خلالها تجنب أي تداعيات سلبية لهذا الانخفاض، والتحرك لإصلاح بعض مظاهر الخلل الهيكلي في بعض الاقتصادات الخليجية من خلال تخفيض النفقات، والتركيز على القطاعات غير النفطية التي تسهم في تنويع مصادر دخلها القومي، والاهتمام بإنتاج المعرفة من خلال تهيئة البيئتين التشريعية والاقتصادية الملائمتين، بما يؤدي إلى توفير الظروف المناسبة لهذا العنصر المهم الذي يمكن أن يوفر مصدراً آخر من مصادر الدخل في دول المجلس، والاستثمار بشكل أكبر في مصادر الطاقة المتجدِّدة والتوسع في هذا المجال، بما يساعد على تقليص الاعتماد على النفط في توفير الطاقة داخل دول المجلس. كما أوصى المشاركون أيضاً بضرورة الاستفادة من تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في تنويع مصادر الدخل، ووضع أسس اقتصاد ما بعد النفط، حيث قطعت الدولة شوطاً كبيراً وناجحاً في تقليص اعتمادها على النفط بوصفه من مصادر الدخل القومي، كما نجحت في تعظيم مصادر أخرى للدخل ساعدتها على التعامل بنجاح مع انخفاض أسعار النفط. وقد أكد سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في كلمته الختامية أمام المؤتمر، أن المركز سيعمل على أن تصلَ هذه التوصيات المهمة إلى صانعي القرار، وإلى مختلفِ الجهاتِ المعنية، سواء في دولة الإمارات العربية المتحدة، أو في دولِ مجلس التعاون لدول الخليج العربيةِ، أو دولِنا العربية كافةً، من أجل تعظيم الاستفادة منها في بناء استراتيجيات تعزِّز الأمن والاستقرار والتنمية لدولنا جميعاً، وتضمن مستقبلَ أجيالِنا القادمة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية