«لا يوجد أمن وطني من دون أمن إلكتروني»، هكذا قال الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال الاجتماع الأول لـ«المجموعة المركزية للأمن الإلكتروني والمعلوماتية» في فبراير 2014، في ما يشبه إشارة الانطلاق لماراثون تنظيم وتقنين الفضاء الإلكتروني بالصين. ومنذ ذلك الوقت، عملت السلطات على تشديد السيطرة على كل الأشياء الإلكترونية: من وسائل التواصل الاجتماعي والنشر الإلكتروني إلى نماذج الأعمال بالنسبة لقطاع تكنولوجيا المعلومات ومراكز البيانات السحابية. بيد أن هذا الأسلوب الميال إلى تأكيد القوة في الفضاء الإلكتروني يؤثِّر على معظم اللاعبين، من المواطنين الرقميين إلى الوكالات التابعة للحكومة. ومن اللاعبين المتأثرين بهذا الأسلوب، كانت الشركات الأجنبية الأعلى صوتاً بين المنتقدين حتى الآن، ذلك أن الامتثال لهذا الأمر سيتطلب منها تغييرات تقنية مكلفة بخصوص كيفية تخزين البيانات وتشفيرها وتقاسمها. وبالنظر إلى قوانين وتنظيمات الفضاء الإلكتروني الغامضة والمجردة أحياناً، التي تم إصدارها حتى الآن، نستطيع تمييز أربعة تحديات تواجه الشركات الأجنبية العاملة في الصين. فأولا، يرغم «قانونُ الفضاء الإلكتروني» الشركاتِ التي تبيع حلولاً حاسوبية إلى من يسمون «فاعلي البنية التحتية الحساسة»، على الخضوع لاختبار أو تقييم يتعلق بالأمن الإلكتروني تشرف عليه الحكومة. أما المجالات التي يعتبرها القانونُ حساسة، فهي: البنية التحتية الخاصة بالاتصال، والطاقة، والنقل، وإمدادات الماء، والمالية، والمرافق العامة، والخدمات الحكومية الإلكترونية. ثانياً، يمثّل شرطُ تحديد موقع البيانات مصدرَ إزعاج آخر للشركات الأجنبية، إذ ينص قانون الأمن الإلكتروني على ضرورة أن تكون بيانات المستخدم التي يجمعها فاعلو البنية التحتية الحساسة، مخزنةً داخل حدود الصين. والحال أن الشركات الأجنبية تخشى أن يؤدي هذا الشرط إلى زيادة خطر التجسس الصناعي وسرقة الملكية الفكرية. وإلى ذلك، فإن تكاليف نقل موقع مراكز البيانات إلى الصين يمثّل عاملاً آخر ينبغي أخذه بعين الاعتبار. غير أن قانون الأمن الإلكتروني يسمح ببعض الاستثناءات، وإنْ كانت غامضة. ثالثاً، يفرض قانونُ مكافحة الإرهاب على الشركات أن تسلّم السلطات بيانات المشتبه في تورطهم في الإرهاب حال طلبت منها ذلك. وهذا القانون يمكن أن يتسبب في مشاكل جمة، منها أن الشركات التي تستعمل التشفير بين طرفي اتصال لن تكون قادرة على الامتثال لهذا القانون على اعتبار أنها لا تمتلك القدرة التقنية للدخول إلى البيانات المشفرة لزبائنها. ويذكر في هذا السياق أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي كان قد رفع دعوى قضائية ضد شركة «آبل»، بعد أن رفضت استخراج البيانات من هاتف «آي فون» الخاص بأحد منفذي هجوم سان بيرناندينو الإرهابي، لكن القضية أُسقطت لاحقاً بعد أن تمكنت السلطات من الدخول إلى الجهاز من دون مساعدة من «آبل». وفي حال ظهور مشكلة مماثلة في الصين، نتوقع أن تكون السلطات الصينية أقل ليونة تجاه شركات تكنولوجيا المعلومات غير المتعاونة. رابعاً، تسمح «القوانينُ الإدارية للاستعمال التجاري للتشفير» للشركات باستخدام تكنولوجيات التشفير المعتمدة رسمياً فقط. كما أن عمليات الاستيراد في هذا المجال يجب أن تكون مرخصة. والحال أن هذا التقنين يقيِّد استيراد وبيع منتجات التشفير الأجنبية في الصين. وبالنظر إلى المستويات المرتفعة للمراقبة على الفضاء الإلكتروني، فبوسعنا أن نتوقع أن تكون السلطات الصينية أكثر صرامة في تطبيق هذه التنظيمات والقوانين اليوم مما كانت عليه في الماضي. نبيل الصباح: باحث بـ«معهد ميركاتور لدراسات الصين» في برلين