في يوم الأربعاء الماضي، حكم قاضٍ فيدرالي في ولاية هاواي، ببطلان الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب قبل ذلك بتسعة أيام بشأن الهجرة، واعتبره غير قانوني، وبالتالي غير دستوري، لأنه يخالف حظراً دستورياً لأي تحيز ديني من قبل الحكومة. وكانت هذه هي المرة الثانية خلال ستة أسابيع، التي يصدر فيها ترامب أمراً تنفيذياً، ويبادر قاضٍ فيدرالي بالإعلان أنه غير قانوني، للسبب نفسه وهو أنه يميز ضد المسلمين. والأمران التنفيذيان، اللذان أصدرهما ترامب خصّا مواطني سبع ثم ست دول ذات أغلبية مسلمة بقيود خاصة على التأشيرات، وهو ما دفع منتقديه إلى القول إن ذلك يثبت أنهما كانا موجهين ضد المسلمين تحديداً، مما يجعلهما، بالتالي، غير دستوريين. ولكن ذلك لم يكن هو السبب الوحيد، حيث استشهد القاضيان بتصريحات أدلى بها ترامب ومستشاروه المقربون ليدللوا من خلالها على أن هذين الأمرين التنفيذيين، كان مقصوداً بهما منع مسلمين من دخول الولايات المتحدة، وأنهما كانا يحابيان المسيحيين. ومن تلك التصريحات، على سبيل المثال، ذلك الذي أدلى به ترامب أثناء حملته الانتخابية، عندما قال إنه يريد أن يفرض حظراً شاملاً على المسلمين القادمين للولايات المتحدة، وكذلك تصريحه وهو يوقع أمره التنفيذي الأول، حيث قال إنه سيمنع «الإرهابيين المسلمين الراديكاليين» من القدوم إلى أميركا. ويلاحظ أن ترامب، قد أحاط نفسه بمستشارين مقربين يعادون المسلمين بشكل واضح، فمستشاره الأول للأمن القومي الجنرال «مايك فلين»، له تصريح علني مسجل قال فيه أشياء سلبية للغاية عن الإسلام، كما أن هناك مسؤولين آخرين مقربين للرئيس لديهم أيضاً مثل هذه الآراء. فكبير مستشاريه للسياسة الخارجية، «مايك بانون»، واثنان آخران من كبار مستشاريه هما «ستيفن ميلر» و«سيباستيان جوركا»، أدليا بتصريحات علنية كانت تحمل آراء مناوئة للمسلمين. وقد شعر العديد من الأميركيين بالسرور والراحة، لمبادرة قاضيين فيدراليين بتقويض محاولة الرئيس فرض حظر مناوئ للمسلمين، ويحدوهم الآن بعض الأمل في أن يكون الأعضاء الجدد في إدارة ترامب، من النوع الذي لا يقبل ثقافة الخوف من الإسلام «الإسلاموفوبيا». يشار هنا إلى أن وزير الدفاع الجنرال «جيمس ماتيس»، ووزير الأمن الداخلي «جون كيلي»، ووزير الخارجية «ريكس تيلرسون»، قد أشاروا جميعاً إلى أنه ليست لديهم أي تحيزات ضد المسلمين. ومن حسن الحظ أن هؤلاء الوزراء الثلاثة لديهم خبرة في التعامل مع الحلفاء المسلمين، في الشرق الأوسط، وغيره من المناطق، وهو ما يجعل رأيهم عن المسلمين، أكثر تسامحاً من الرئيس، ومن بعض مستشاريه. ومن الإشارات الأخرى الباعثة على الأمل أيضاً، أنه بمجرد انتخاب ترامب، اندلعت المظاهرات في مختلف أنحاء أميركا ضد سياساته، بما في ذلك تلك المعادية للمسلمين والعرب. وتلك المظاهرات تضاعفت بعد أن تولى منصبه رسمياً في 20 يناير، وأصبحت المؤشرات الدالة على شجب التصريحات المناوئة للمسلمين، والداعية لمعاملة عادلة للفلسطينيين، أكثر بروزاً في تلك المظاهرات، مما كانت عليه من قبل. إلى ذلك يلاحظ أن معظم افتتاحيات الصحف الأميركية باتت تنتقد «الإسلاموفوبيا»، التي تعبر عنها تصريحات الرئيس وبعض مستشاريه، وتصفها بأنها غير دستورية، و«غير أميركية»، وأن إظهار العداء للمسلمين يلحق ضرراً بالغاً بسياسة أميركا الخارجية، من خلال تقويض تحالفاتها مع الدول الإسلامية، وهي التحالفات المطلوبة للمساعدة في مكافحة الإرهاب، وغيره من أنواع التهديدات لأميركا. وتقول تلك الافتتاحيات أيضاً إن من الخطأ أن ينتقد الرئيس المسلمين بصفة عامة، في حين أن الغالبية العظمى من المسلمين يعارضون الإرهاب، ويعانون من ويلاته أكثر من أي طرف آخر. وهذه الحجة مسموعة الآن بشكل أكثر وضوحاً، في النقاش الأميركي، مقارنة بأي وقت مضى. ومن المبادئ الجوهرية للنظام السياسي الأميركي، التي جرت صياغتها بعناية في القرن الثامن عشر، المبدأ الخاص بإدماج «القيود والتوازنات» في الأفرع الرئيسية الثلاثة للحكومة -وهي الرئيس، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية. فعملية «القيود والتوازنات»، تتطلب ألا يكون لأي فرع من أفرع الحكومة سلطة زائدة عن الحد، وأن تكون لكل فرع منها القدرة على منع انتهاك من قبل أي فرع آخر، للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي. وبالإضافة للسلطة القضائية نرى الآن التأثير الذي تمارسه الصحافة التي يسميها البعض «السلطة الرابعة»، والتي تعمل هي الأخرى على عرقلة محاولات ترامب، لما يعتقد الصحفيون أنها تصرفات ضد المبادئ الأساسية للنظام السياسي والدستور الأميركي. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فها نحن نرى أن الأميركيين العاديين، حتى من لم يكن له أي نشاط سياسي من قبل، قد باتوا الآن أكثر انخراطاً في جهود مقاومة الرئيس. وهؤلاء الأميركيون لا يكتفون فحسب بالمشاركة في مظاهرات الشوارع المؤيدة للمسلمين والعرب، ولكن البعض منهم يحاولون أيضاً إلقاء نظرة أكثر قرباً على الإسلام، وعلى جوهره الحقيقي. فهناك على سبيل المثال متحف في مانهاتن، نيويورك، افتتح مؤخراً معرضاً خاصاً عن الإسلام، يصور جوانب من حياة المسلمين وثقافتهم. ورغم أن مدة المعرض المقررة كانت عاماً واحداً، فإن الإقبال الكبير الذي لقيه، دفع إدارة المتحف لتمديده لعام آخر إضافي. ومع ذلك كله، هناك أميركيون كثر، ما زالوا يتأثرون بالآراء المناوئة للمسلمين، ولكن هناك أيضاً اليوم من المؤشرات، ما يدل على أن مثل هؤلاء الأميركيين قد بدؤوا يتغيرون، كرد فعل على تصريحات الرئيس المناوئة للإسلام. ومن المعروف أن بندول السياسة في أميركا يتحرك جيئة وذهاباً، ولكنه يبدو الآن وكأنه يميل في الاتجاه الإيجابي.