لا أعرف سبباً يدعو الكثير من المسلمين إلى اتخاذ وضع الضحية والمدافع عن نفسه وعقيدته دائماً وكأنهما محل اتهام، غير أنها عقدة قديمة زرعها الآخر الغربي، وحاول أن يسوقها بمزيد من الاتهامات المعلنة، أو المبطنة، مستغلاً وقوع بعض الحوادث، ليكون الوضع على طول خط الزمن دفاعاً وخوفاً ودرءاً للشكوك بالفرح والاحتفال برأي الأجانب حول من نكون، وما هي حقيقة اعتقادنا، وخاصة إن نطق أحد منهم كلمة إنصاف إيجابية عن ثقافتنا. لتبدأ بعدها سلسلة من التنازلات وزيادة كمية المساحيق، بهدف تجميل الصور النمطية، وكأن ثقافتنا مجرد اسم لا يعنينا من قريب أو من بعيد. وإذا كان وقلنا إن الإسلام دين سلام مطلق، وإن أهل بعض الإسلام أساؤوا فهمه حين تصرفوا بما يخالف روحه السمحاء، فهل سيصدق الغرب صاحب لائحة الاتهامات النمطية الجاهزة هذه المبررات؟ فالعامل النفسي هنا استغله البعض في الغرب ليعمل طوال عقود من الزمن على تحطيم هذا الجوهر المسمى هوية، فالهوية العربية خليط من العروبة والإسلام والقيم الأخلاقية التي رسخها العرف العربي وأقرّها الدين الإسلامي العظيم بقيمه وأهدافه. وربما كان من الصعب أن تنزع هذه الهوية من الشخصية العربية، فصار لابد من طرق أخرى يتم فيها اتخاذ إجراءات تسعى لتحطيم الجذور المتأصلة في عمق تاريخي وجغرافي يبلغ من العمر آلاف السنين. فالعربي القاطن اليوم في سوريا أو العراق أو اليمن، أو غيرها من البلدان العربية، لا يمكن قياس عمره بزمن مؤقت كالذي يعيشه أفراد كثير من الأمم الأخرى التي ظهرت على مسرح التاريخ منذ قرون معدودة فحسب. بل هو نتاج لحقب تاريخية وتراكمات حضارية وأحداث وتجارب ثقافية مرت على أجداده ووصلت إليه في شكل ثقافة غنية وهوية ثرية راسخة، سواء أراد ذلك أم لم يرد. وقد يكون في هذا جزء من السر في عدم فهم كثيرين لروح هذا التاريخ وتسامح هذا الدين الحنيف، حتى وإن كان بعضهم مسلمين بالاسم أو عرباً بالدم فقط، ولا يمكن بأي حال أن تفصل المسلم عن هويته العربية، فما يروجه بعض المتحاملين في الغرب اليوم من هجوم شرس على ثقافة المسلمين وعلى معتقداتهم الراسخة كالجبال، هو مبرر مكشوف لاستمرار فكر الاستهداف والاستغلال للموارد المادية والقوى البشرية لا توجد إلا في هذه المنطقة الملتهبة على الدوام. فمنذ بدايات القرن العشرين، وصولاً إلى القرن الحالي، لم يمر يوم إلا واستهدف فيه مسلم على أرض وطنه، وكأنه هو الهدف الأول في زيادة جرعات العنف التي تزداد كل يوم، وتختلف فقط في شكلها العام. ولعل أهم ما يمكن ملاحظته اليوم هو ازدياد هذه الشراسة في النظرة الهجومية والاتهامية حتى قبل ظهور كثير من تنظيمات التطرف والعنف، المنسوبة زوراً إلى الإسلام وهو منها براء، التي يشك دائماً في ممولها وسبب ظهورها. وربما لو توقف المسلمون عن الظهور دائماً بثوب المدافع والمبرر والباحث عن حجج ونصوص تؤكد سلام الإسلام وسموه، وهو حقاً دين السلام والتسامح، ربما وقتها كانت النظرة للمسلم ستختلف، لأننا لسنا أصلاً محل اتهام في ثقافتنا، فلا يعقل أن يحارب المرء بالكلام أو يدفع عنه اتهامات ملفقة ومجحفة بمزيد من الكلام، وكأنه يؤكد الاتهام، الذي هو باطل وزائف أصلاً. لسنا بحاجة أبداً إلى مبررات، ولا أن نخاف، ولا أن نبحث عن تنازلات تهز الهوية والكيان، فالآخر لا يحترم أبداً من خلع هويته وارتدي ثوباً ليس له. نحن نبحث عن نقطة تحول في هذه النظرة وليس ترسيخاً لها أو الالتفاف حولها.