يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أحد تصريحاته، إنه لا يعتبر «الإخوان المسلمين» منظمة إرهابية لأنها ليست منظمة مسلحة، بل هي منظمة فكرية حسب قوله، ويرى البعض أن تضييق الخناق على الأحزاب والتنظيمات «الإسلامية» فتح الباب لدوامات العنف والتطرف في العالم الإسلامي، كونها تيارات كانت القوة الموازية والرادعة بوجه تيارات راديكالية عنيفة، وفي حقيقة الأمر أن مصطلح الإسلام السياسي في لفظه وواقعه قصد به تصنيف الإسلام في ذاته لا للإسلاميين. والإسلام السياسي، كمصطلح غربي المنشأ، تداولته الأدبيات في عالمنا الإسلامي دون تفكير عميق وكردة فعل لرفض أسلمة السياسة بالإكراه في بداية الأمر، ليصبح مصطلحاً يطلق في غير محله، فالإسلام دين رباني ومن غير المنصف أن يوضع في خانة التصنيف البشري المحدود، وذي الإبعاد القاصرة، ليقنعونا أن هناك إسلاميين أحدهما سياسي والآخر ليس كذلك في محاولات تغريب تستهدف ديننا الحنيف، فأصبحنا بين نار خطف الإسلام من المتعصبين من أبنائه من جهة، ومن نار تحويل الإسلام لمتجر عقائدي من جهة أخرى. فلا غرابة لو أن هناك تصويتاً اليوم في أي قطر عربي بين الأحزاب السياسية أن تكون الغلبة للحزب الذي يستخدم الدين لفظاً، وليس جوهراً، ليدغدغ بها أحلام الحالمين، ويردد شعارات يريد الشارع أن يسمعها وتعبر عن حنين طاغٍ للماضي، ولتجلجل أصوات خطباء الأحزاب وشيوخهم بأن لا نجاة إلا من خلال طرحهم الحزبي أو الطائفي، مع أنهم يعلمون أنهم أن خدعوا الشعوب اليوم برسائل تكرس الجهل المؤسسي، سيضطرون غداً لمحاربة الجهلة وطواغيت الجهل! فهل سيبقى النائمون في سباتهم طويلاً؟ أم ستظهر للعيان عبر الغيوم شمس التغيير على يد أجيال لا تريد أن يُرسم لها الطريق الذي تمشي فيه، بل أن تشق هي الدروب التي ستسير فيها بعد أن تشبعت باليأس، وحُرمت من أن تعيش حياة كريمة، أو أن تبدي رأيها بكل شفافية متسلحة بسيكولوجيا الجماهير المهزومة، وأسس فن صناعة المعرفة المربوطة بالنتائج لتشارك حكوماتها مسؤوليات نهضة أمة، وبالتالي نهضتها كأجيال لديها الكثير لتقدمه وتثبته. ولكن كيف وصلنا اليوم إلى تقسيم الإسلام لجماعات وفصائل وتنظيمات ومنظومات كاملة تكرس الخداع والكهنوت على مستوى الأمة ككل، والدين براء مما كتبوه بأيديهم، وعرقلتهم للجانب الإنساني من الإسلام بحجة الإصلاح وإنقاذ البشرية من تخلفها، وأي تخلف هذا الذي سيزيحه من يعاني نفسه من تراجع حاد على جميع الأصعدة، ويسحق كل فكر ومفكر وداعية ومصلح اجتماعي وسياسي يتجرأ ويفكر بطريقة مختلفة، ويرفض التطبيع مع سياسة التغيير العنيف والفرض الملزم للبشر بنهج فكري وأسلوب حياة معين، ناهيك عن الخلط بين مصطلحي الإسلام السياسي والإسلام الراديكالي، وبين من يمارسون العنف ومن لا يقرونه، ويأتي سدنة الاستبداد وحملة الحملات الإعلامية المضللة للتحذير من التدين ومظاهره خارج حدود مذاهبهم. وآخرون يصورون الدين بأنه أمر منافٍ ومضاد لأي مشروع حضاري، أو أي مشروع حضاري هو تغريب للإسلام! ومن المعضلات الكبرى في تجنيد العقول وتخديرها ما تقوم به بعض المؤسسات الدينية الرسمية، في تعزيز مظاهر الإسلاموفوبيا والاستخفاف بعقول الآخرين وإثارة الخوف والفزع من المسلمين المخالفين لتوجهات دولهم ليدفع المواطن العربي ثمن هوس المتطرفين وغير المتطرفين بالسلطة، ويقابل ذلك كذبة وصول الإسلاميين إلى الحكم عبر صناديق انتخابية نزيهة للبرلمان أو للرئاسة، وكيف تكون هناك نزاهة وهناك برمجة وأجندات خاصة وولاءات مقسمة واتخاذ القرار يتحكم فيه أعلى من يقع في سلم الهرم التنظيمي، وفق بروتوكولات خاصة بالجماعات التي تحولت إلى أحزاب، وتقوم بتهيئة للشارع عبر عقود طويلة من البغاء التنظيمي مما يجعل مبدأ العدالة غائباً. فعندما تفوز الأحزاب الإسلامية بالرئاسة تجد أمامها قوى تلعب دوراً كبيراً في تحجيم دورها، وكل ذلك يكون مدعوماً بقوى إقليمية ودولية، بحيث إن موازين القوى لا تتحدد بما تفرزه صناديق الاقتراع، ومن يعطي الضوء الأخضر ليحكم الدول يجب أن يساهم في تحقيق الغايات العليا لتلك القوى. ولا يخرج عن النص الدولي للسيطرة والهيمنة على المدى البعيد، وبالتالي لا مكان للحديث عن إرادة شعبية سياسية واعية مكتملة الأركان في العالم الإسلامي، في ظل ممارسات وثنية سياسية وشعوب تقدم القرابين لأصنامها الطائفية والمذهبية.