بين تحدي الشعبوية في أوروبا.. وثورة ترامب في أميركا! حسن ولد المختار لوفيغارو في صحيفة لوفيغارو نشر الكاتب اليميني إيفان ريوفول مقالاً بعنوان: «مارين لوبن يمكن أن تقول لهم شكراً سلفاً»، قال في مستهله إن خصوم زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف ما زالوا لم يفهموا بعد أن حملتهم الشعواء لشيْطنتها تأتي بنتائج عكسية، ويمكن أيضاً أن تحملها إلى سدة الحكم في شهر مايو المقبل. فكل هذه الحملات التي نرى مقاومي النزعة الشعبوية يخوضونها لوضع الحواجز أمام وصول لوبن إلى قصر الأليزيه، سبق أن رأينا مثلها في حملة رئاسيات سنة 2002، ومع ذلك فاجأ لوبن الأب الجميع في 21 أبريل من ذلك العام بالتأهل للدور الثاني. ويومها لم يبقَ نوع من التهديد من قبل مناهضي «الجبهة الوطنية» إلا ترددت أصداؤه، وفي الذهن تهديد الفنان آنريكو ماسياس بالرحيل إلى سويسرا إن فاز لوبن. وكذلك الكاتب جان- ماري لوكليزيو، الحاصل على جائزة نوبل في الآداب، هدد هو أيضاً بالتخلي عن جواز سفره الفرنسي. ومثله الرياضي «يانيك نواه» والفنان «أوليفيه بيي»، وغيرهم كثيرون قالوا حينها إنهم سيختارون المنفى على الإقامة في فرنسا بزعامة جان ماري لوبن. بل إن وسائل الإعلام اتخذت دائماً من استهداف «الجبهة الوطنية» والدعاية ضدها ديباجة ثابتة، وسعت بجد وجهد لتخويف الفرنسيين منها، ومحاولة إقناعهم بأن أي فوز للجبهة سيكون بداية لعهد جديد من الفاشية، بل وعودة إلى أجواء الثلاثينيات من القرن الماضي. ولكن كل هذه الدعاوى تتهاوى، يقول الكاتب، أمام غضب الفرنسيين. وهو الغضب الذي حمل لوبن الأب منذ 15 سنة مضت إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، بنتيجة أصوات بلغت حينها 16,86% من الناخبين، وهو ذاته الذي يعطي ابنته مارين نتائج تصل إلى ضعف تلك النتيجة في استطلاعات الرأي الجارية الآن. وهذا يؤشر بقوة إلى احتمال فوزها بالرئاسة في الشوط الثاني من الرئاسيات في شهر مايو المقبل. أما ما يسمى «الجبهة الجمهورية»، التي تشير إلى من تشكيلات اليمين واليسار مناهضة لـ«الجبهة الوطنية»، فحتى لو تحالفت في الشوط الثاني، فلن تكون مهمتها سهلة في الحيلولة بين مارين لوبن وقصر الأليزيه، وذلك لأن زعيمة «الجبهة الوطنية» لم تكن يوماً من قبل بكل هذا القدر من القوة والشعبية على نحو جدير بأن يمكنها من اختراق سواتر «جدار ماجينو» الذي يحاولون جاهدين وضعه في طريقها. والحال أن مأزق الحملة المناهضة للوبن بادٍ الآن للعيان، وهو مأزق نظام سياسي مترهل قاد فرنسا إلى حالة تمرد عارمة. وما يجذب الناخبين اليوم إلى خطاب الجبهة ليس فقط كون امرأة هي من يقودها، وإنما أيضاً الرفض الواسع لعالم سياسي لم يعد يستجيب لتطلعات الجمهور العريض. فالمحرومون والمهمشون يريدون وضع حدٍ للإنسانوية السياسية المزعومة على حسابهم، ويرغبون في رؤية نهاية قريبة لكل هذا الزيف والاستلاب، وقبل هذا وذاك يريدون أيضاً حماية ذواتهم وثقافتهم. وفي الأخير قال الكاتب، إن محاولات تسويق المرشح الشاب المستقل إيمانويل ماكرون، باعتباره البديل الأنسب عن لوبن، بزعم كونه صاحب رؤية ومشروع تقدمي، ليست هي أيضاً سوى نوع من الخداع، الذي يتجدد مثله، في كل حملة انتخابية جديدة. والحاصل من وجهة نظر الكاتب، أن الطريق باتت مفتوحة وسالكة أمام مارين لوبن للفوز بالرئاسة، ودخول قصر الأليزيه في مايو المقبل، من الباب العريض. لوموند نشرت صحيفة لوموند افتتاحية خصصتها للحديث عن دلالة خسارة اليمين المتطرف الهولندي في الانتخابات التشريعية يوم الأربعاء الماضي، مؤكدة في هذا السياق أن أنصار المشروع الأوروبي هم أكثر من يحق لهم الاحتفال والاحتفاء بهذه الخسارة؛ وذلك لأن هذه النتيجة من شأنها أن تكبح جماح توثب وتحفز الأحزاب الشعبوية والحركات اليمينية المتطرفة في العديد من الدول الأوروبية الأخرى، خاصة في فرنسا وألمانيا اللتين ستشهدان استحقاقين انتخابيين مصيريين في هذا العام. وتأتي خسارة اليمين الهولندي المتطرف الآن بعد خسارة اليمين النمساوي المتطرف أيضاً في انتخابات شهر ديسمبر الماضي، حيث اختار الناخبون النمساويون التصويت لرئيس إيكولوجي (من أحزاب البيئة) بدلاً من مرشح من أحزاب اليمين المتطرف. واعتبرت الصحيفة أن المعركة الراهنة التي تخوضها الديمقراطيات الغربية ضد صعود حركات اليمين المتطرف سجل فيها الناخبون الهولنديون نقاطاً بالغ الدلالة والأهمية، لعل أولها هو كثافة المشاركة في عملية الاقتراع نفسها، حيث بلغت نسبتها 78%، وهذا الرقم المرتفع يؤشر إلى اتساع الوعي في صفوف الشعب الهولندي بضرورة الاستفادة مما يتيحه النظام الديمقراطي من فرص للوقوف في وجه تغول الشعبوية وتحدي اليمين المتطرف. وقد نال الحزب الشعبي، من الوسط، بزعامة رئيس الوزراء مارك روته 33 مقعداً في هذه الانتخابات التشريعية، في حين لم ينل حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز سوى 20 مقعداً فقط من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 150 مقعداً، هذا في حين كان زعماؤه يتوقعون نيل صدارة النتائج، بكيفية يمكن أن تسمح لفيلدرز بتزعم حكومة ائتلاف! ولكن كان للناخبين الهولنديين رأي آخر حاسم هو ما عبّر عنه رفضهم لحزب فليدرز، ونبذهم لخطابه العنصري القائم على كيل الكراهية للإسلام والمهاجرين، والداعي لتقويض دعائم البيت الأوروبي كله من الأساس. ليبراسيون قال الكاتب ألان جوفرين في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون إن ما تعرفه أميركا هذه الأيام من تحولات سياسية جذرية يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أهمية أوراق الاقتراع في توجيه الخيارات السياسية، بقدرما تفند أيضاً ذلك الانطباع الشائع الآن لدى كثيرين بأن الانتخابات لم تعد تقدم أو تؤخر في عالم السياسة ومصير الشعوب. فها هو الرئيس دونالد ترامب مستنداً على شرعيته الانتخابية بصدد تغيير وجه أميركا بشكل كامل، وهو يقود ثورة تحول جذرية تذكّر بتلك الثورة المحافظة الكبرى التي قادها ريغان في بداية ثمانينيات القرن الماضي، أو تلك الأخرى التي قادها قبل ذلك فرانكلين روزفلت. ولعل الفارق يكمن في أن ملمح التغيير الواسع الجاري الآن على يد ترامب يقوم على مقاربة تضع مصالح الداخل الأميركي فوق أي التزام خارجي، في نزعة انكفاء وانعزالية جديدة مثيرة للقلق. وضمن التحولات الجاري العمل عليها في أميركا، أعطت الميزانية الجديدة التي وضعها ترامب كل شيء للجيش وبناء جدار الحدود في الجنوب، مقابل لا شيء للثقافة، والشؤون الاجتماعية، والدبلوماسية، والبيئة. ولا يخفي الملياردير الرئيس رغبته في انغلاق أميركا على نفسها. وقد قدّم انتخاب ترامب على أنه ثورة من الشعب ورفض للنخب السياسية الحزبية النمطية التي سيّرت شؤون أميركا لعقود. ولكنه في الحقيقة، ثورة فقط من جانب من هذه النخب ضد الشعب، مع اتخاذ الأجانب كباش فداء لذلك. ويجدر هنا أن نتذكر أن النظام الدستوري الأميركي قائم على ضمان توازن السلطات، ولذا فليس هنالك الآن سوى الكونجرس والقضاة للوقوف في وجه مشروع ترامب. ولكنه هو أيضاً يستند على شرعية انتخابية تجعل كلمته هي العليا. هذا على رغم توجهاته المثيرة للجدل وكون شعبيته منخفضة بشكل غير مسبوق في تاريخ الرؤساء الأميركيين. ونرى الآن المواطنين الأميركيين ومنظمات المجتمع المدني، إلى جانب القضاة، هم من يقاومون سياسات ترامب. وهكذا يبدو الدرس واضحاً وبليغاً، يقول الكاتب، فالحل مع الساسة القوميين والشعبويين يكون بعدم انتخابهم من الأساس، وبالعمل على الحيلولة دون ذلك منذ البداية. أما إن فازوا، فلا يمكن التعويل على السلطات المضادة، وتوازن السلطات، وحدهما للوقوف في وجههم؛ لأن الشرعية الانتخابية تعطيهم هوامش حركة واسعة، ولأن الوقت يكون أيضاً قد فات على تدارك الموقف، بشكل لا رجعة فيه. إعداد: حسن ولد المختار