كان الأسبوع الماضي في الإمارات غنياً بفعاليات ذات صلة بالتعليم والطلاب والتحفيز الذي لا تبخل به القيادة على أبنائها. فقد زار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، جامعة نيويورك أبوظبي، أحد فروع الشبكة العالمية لجامعة نيويورك. وقبل ذلك جاءت كلمة سموه في ختام فعاليات مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل. وتؤكد مجمل الفعاليات في هذا الاتجاه على الآمال المرتبطة بالشباب المتسلح بالعلم والمعرفة. وكانت كلمات القيادة خلال الفعاليات والمنتديات الرسمية، موجهة لعامة طلاب الإمارات وليس فقط للذين حضروا تلك الفعاليات بشكل مباشر. ومن سياق الخطاب الراقي والحريص على نقل عزم القيادة إلى عقول الأبناء، كانت كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد صادقة ومعبرة عن التوجه الرسمي المبكر نحو التركيز على بناء جيل متسلح بالعلم والقدرة على الابتكار. وهناك دلالات عديدة حملها خطاب سموه، أبرزها التأكيد على الشراكة في بناء الحاضر والتخطيط للمستقبل وحماية مكتسبات الوطن، حيث قال سموه: «نحن شركاء في هذا الوطن.. في سعادته وتقدمه وأمنه وهمومه ورسالة ردعه.. فهناك من يحمل الراية الآن ويتقدم بها ليسلمها للجيل المقبل، وهذا أمر قادم لا محالة، وهذه سنة الحياة». ومما لفت انتباه الكثيرين قول سموه: «إن رهاننا الحقيقي أنتم يا أبنائي، ولدينا إيمان بأن التقدم في هذه الدولة لن يتم إلا بكم.. أنتم أمل هذه البلاد ومستقبلها والسلاح الحقيقي وليس الـ3 ملايين برميل نفط يومياً، فحين تتسلمون الراية يجب أن تتسلموها وأنتم بخير وعز، ولديكم القدرة على أن ترتفعوا بها». ليست هذه المرة الأولى التي تجدد فيها القيادة التذكير بأن بناء الإنسان يحتل أولوية قصوى لديها، وأن السعي للاستدامة هو النهج الحكيم والأكثر جدوى، من واقع قراءة استراتيجية تضع احتمالات ما بعد النفط في الحسبان، وتستعد منذ الآن ببدائل اقتصادية أكثر حيوية واستدامة. وقال سموه: «اليوم لدينا 23 مليون سائح.. لدينا اقتصاد قوي وشبكة مواصلات واتصالات مميزة على مستوى المنطقة والعالم.. لدينا أمن وأمان، نحمد الله عليه، ولذلك حين تجري المؤسسات المتخصصة استبياناً، ويكون السؤال، ما هي الدولة التي تريد أن تعيش فيها؟ يأتي الجواب أن 70 في المئة من الشباب العربي يريدون أن يعيشوا في الإمارات، والسبب أنه قبل خمسين سنة أو سبع وأربعين سنة، وفقنا الله بقيادة حكيمة وضعت الأساس والبنية التحتية السليمة التي مهدت لانطلاقة مسيرة البناء والتنمية، وأصبحنا نتنفس هواءً نقياً، ونعيش بسعادة». لقد كانت الصورة النمطية حول منطقة الخليج عموماً، ترتبط في أذهان الآخرين بنمط اقتصاد تصدير النفط والاكتفاء بجني عوائده. وهي صورة تتلاشى تدريجياً في ظل التوجه الشامل نحو تنويع مصادر الاقتصاد على قاعدة الاستدامة. لقد ظهرت قطاعات اقتصادية أخرى أصبحت عائداتها المجزية من أساسيات الدخل القومي، مثل السياحة والتجارة والموانئ الحرة والاستثمار في البنية التحتية والطاقة البديلة. ومنذ عهد القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، نمت وتأصلت في وجدان قيادة الإمارات درجة عالية من التواصل المباشر مع الأجيال الجديدة. وأصبح من الثابت أن الرهان الأول والأخير معقود على الاهتمام بالأبناء وهم على مقاعد الدراسة، والذين يمثلون نخبة رجال الغد وصفوة أجيال المستقبل. وبقدر الاعتناء بجودة التعليم وتخصصاته، بقدر ما يكون الرهان على هذه الشريحة المهمة مبنياً على غرس العزم في تحصيل العلم وارتياد آفاق المستحيل، والنظر دوماً إلى الأمام، وتجنب الوقوع في المطبات التي يتعثر بها الآخرون، وأخطرها الوقوع في براثن التطرف والغلو. ومن حسنات المجتمع الإماراتي أنه يساعد بتربيته الأسرية على النأي بشبابنا عن هذه الآفات، مما يعزز المراهنة على الأجيال القادمة لتحمل مسؤولية بناء الوطن وحمايته والارتقاء بالتنمية وتحقيق المزيد من النهوض في كافة المجالات. وعندما توضع الخطط من أجل الاستعداد للمستقبل، ليس هناك ما هو أهم من بناء أجيال مستنيرة وقادرة على الإسهام في تحقيق الخطط المرسومة، من خلال تأهيل ذاتها للتموضع في المكان والمستوى الملائم للعلم والطموح.