من بين أهم القضايا التي يتفق عليها «الديمقراطيون» و«الجمهوريون» هي تلك التي تفيد بأن البنى التحتية الأميركية أصبحت بحاجة ماسة لتوظيف استثمارات جديدة، للتحديث والإصلاح في عشرة قطاعات عامة ذات أهمية كبيرة على الرخاء الاقتصادي للبلاد، وهي: الطيران، الجسور، مياه الشرب، الكهرباء، مجاري المياه، الموانئ، قطارات الركّاب، الطرق البرية، الترانزيت، ومياه الصرف الصحي. ومؤخراً، أصدرت «الجمعية الأميركية للهندسة المدنية» ASCE أحدث تقرير لها حول حالة البنى التحتية الوطنية، مع إضافة دليل تصنيفي يدل على حالة كل منها. وكان متوسط التصنيف العام لحالة البنى التحية في الولايات المتحدة هو «دي بلاس» (D+) وهو الأعلى مباشرة من التصنيف «دي» الذي يعني أنها في حالة سيئة وتقترب من مستوى الخطورة. وفي هذا التصنيف ذاته، يعني الحرف (A) أن حالة البنى التحتية بجودة استثنائية وتتطابق مع المواصفات الضرورية للمستقبل، ويعني التصنيف (B) أنها جيدة وتكفي لتسيير الأمور في الوقت الراهن، ويعني التصنيف (C) أنها متوسطة الحال وتحتاج إلى رعاية وصيانة. وهناك ضرران رئيسيان للبنى التحتية المهترئة، يكمن الأول منهما في ارتفاع احتمال وقوع الحوادث الكارثية التي قد تتسبب في نتائج قاتلة على المستويين الولائي والوطني. ويمكن للجسور والسدود أن تتقوض وتنهار، ويمكن لشبكات نقل الطاقة الكهربائية أن تتعطل مثلما حدث مؤخراً في مدينة «فلينت» بولاية ميتشيجن، ويمكن لخزانات المياه العذبة أن تتعرض للتلوث بالمواد السامة بسبب أنابيبها العتيقة التي تؤدي إلى تسرّب شوارد عنصر الرصاص الضارة إلى النظام المائي. و«فلينت»، بلدة صغيرة يستوطنها نحو 100 ألف ساكن، أغلبهم من عائلات الأفارقة الأميركيين. ومن أجل توفير الأموال التي يتم إنفاقها على المخزون المائي للسكان، أمرت حكومة الولاية البلدة بتوفير مياهها من «نهر فلينت» بدلاً من «بحيرة هورون». إلا أن مياه نهر فلينت كانت أكثر تلوثاً بتسع عشرة مرة من مياه بحيرة هورون. وهذا ما أدى إلى جعل الأنابيب الرصاصية تنقل المياه الحاملة للسموم إلى السكان. وانتشرت أخبار الفضيحة على المستوى الوطني عندما اتضح أن بلدة «فلينت» لا تمتلك الموارد والوسائل الضرورية لحل المشكلة والتي تتطلب استبدال بضعة كيلومترات من الأنابيب الرصاصية القديمة بأخرى جديدة. ولا يزال معظم سكان «فلينت» يشربون مياه الزجاجات التي تزودهم بها الولاية بالتعاون مع المؤسسات الخيرية. ويمكن لما يحدث في بلدة «فلينت» أن يوضّح النتائج التي قد تترتب على عدم صيانة البنى التحتية، أو على السياسة غير المدروسة لتوفير الأموال والاقتطاع من التكاليف. وإن عاجلاً أو آجلاً، فلابدّ من إنفاق الأموال المتأخرة لعلاج المشكلة ورصد الأموال الكافية لتدارك هذا التأخر الخطير في حلها. وحول هذه المشكلة بالذات، هناك إجماع بين الحزبين، «الجمهوري» و«الديمقراطي»، على الإسراع في إيجاد الحلول، لكن العقبة الحقيقية تكمن في البحث عن مصدر الأموال اللازمة لإنفاق تريليونات الدولارات من أجل إصلاح البنى التحتية العامة وإعادة تأهيلها. ومعظم «الجمهوريين» يرفضون فكرة تكفل الحكومة الفيدرالية بتأمين الأموال اللازمة، لأن ذلك يتطلب فرض ضرائب جديدة على المواطنين. ومن ناحية أخرى، يكون من الصعب علينا أن نتصور الطريقة التي يمكن بموجبها تغطية هذه النفقات الباهظة إلا في بعض الحالات القليلة. ومنها إصلاح نظام النقل التجاري بالسكك الحديدية المملوك لشركات خاصة، والتي كانت تستثمر بالفعل أموالاً طائلة في تطوير القاطرات والجسور خلال السنوات الخمس الماضية. وهذا ما جعل أداءها أفضل من بقية القطاعات حتى بلغت بنياتها التحتية التصنيف (بي). وهذا الحال الذي أصبح عليه نظام النقل التجاري بالسكك الحادية يختلف عن حال النظام الوطني للطرق السريعة والجسور، والذي بقي بعيداً عن الاهتمام خلال السنوات الماضية. ومن المعروف أن الطرق ذات الحالة السيئة والجسور الخطيرة تتسبب بأزمات المرور ويترتب عنها تأخر في الحركة العامة للمركبات يكلف أكثر من 160 مليار دولار سنوياً، وذلك بسبب خسارة الوقت والاستهلاك الإضافي من الوقود. ويكمن الحل الأمثل والأكثر بساطة لهذه المشكلة في تأمين الأموال اللازمة لمعالجتها عن طريق زيادة الضريبة المفروضة على البنزين والمازوت وتحويل الأموال التي يتم جمعها إلى «الصندوق الائتماني للطرق السريعة». وهناك عائق يقف في وجه هذا الحل، يتعلق بموقف «الجمهوريين» المتمسكين بوعودهم لناخبيهم بعدم زيادة الضرائب مهما كانت الأسباب. وحتى يتم التوافق والإجماع بين أغلبية أعضاء الكونجرس الأميركي على أن الفشل في اتخاذ التدابير العاجلة لحل هذه المشاكل سوف يزيدها سوءاً، فمن المؤكد أن حلها باتخاذ قرار سياسي من جانب واحد لن يتحقق أبداً. وهذه إحدى القضايا التي تحدّث عنها الرئيس دونالد ترامب بطرق بنّاءة تستند إلى المنطق. وهو يحتاج الآن لإبراز موهبته القيادية في توفير الاستثمارات الحكومية والخاصة الضرورية لإصلاح ما يمكن إصلاحه أو على أقل تقدير احتواء المشاكل التي تواجهها أميركا في هذا المجال المهم.