أخيراً ومنذ الأسبوع الماضي خيمت الأحزان ومشاعر الإحباط على معسكر اليمين الإسرائيلي المتطرف ليوقف مهرجانات الاحتفال بتصريحات ترامب حول نقل السفارة الأميركية إلى القدس وحول عدم اعتباره الاستيطان ضاراً بعملية السلام وحول حديثه عن حل الدولة الواحدة وعدم تصميمه على حل الدولتين. كان زعماء اليمين الحاكم في إسرائيل قد قالوا بوضوح إن تصريحات ترامب المذكورة تعني دفن حل الدولتين وفتح الباب أمام إسرائيل لضم الضفة الغربية وقصر الحل على إعطاء الفلسطينيين حكما ذاتيا تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية، دون السماح لهم بالاندماج في الحياة السياسية الإسرائيلية. إن زعماء هذا اليمين المتطرف ليسوا فقط من أعضاء حزب البيت اليهودي الممثل للمستوطنين بزعامة «نفتالي بينت» بل هم أيضا من قادة حزب «ليكود» صاحب الأغلبية الحاكمة. كان المؤشر الذي ابتهج بسببه هذا اليمين ممثلا في الشكوى المستمرة من جانب السلطة الفلسطينية من أن محاولاتها للاتصال بإدارة ترامب لا تلقى أية استجابة، وهو مؤشر اعتبره اليمين الإسرائيلي علامة على الانحياز المطلق لإسرائيل من جانب ترامب وإطلاق يدها لتملي على الفلسطينيين الحل الذي يروق لها. لقد جاءت المكالمة الهاتفية المطولة بين الرئيس ترامب ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يوم الجمعة الماضي لتصيب أحلام اليمين الإسرائيلي في مقتل خصوصاً بعد البيان الذي أصدره البيت الأبيض عن المكالمة وبعد أن رشح للصحف بعض ما دار فيها. لقد أبرزت الصحف الإسرائيلية تصريحاً للرئيس عباس يقول فيه إن ترامب أبلغه أثناء المكالمة بأنه ملتزم بحل الدولتين، وعقبت الصحف بأن هذا الالتزام الجديد من جانب ترامب يمثل تحولا نوعيا في موقفه الذي عبر عنه أثناء مؤتمره الصحفي مع نتنياهو في واشنطن عندما قال إنه يؤيد السلام سواء تحقق عن طريق حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة. كذلك فإن البيان الذي أصدره البيت الأبيض عن المكالمة جاء ليؤكد عزم الرئيس الأميركي تحقيق صفقة السلام الكبرى. وذكر البيان أن ترامب ناقش مع عباس دفع عملية سلام شامل في الشرق الأوسط في حين أشارت مصادر فلسطينية إلى أن ترامب قال لعباس إن اتفاق السلام أمر ممكن وإن الوقت قد حان لعقد الصفقة، موضحاً أن مثل هذا الاتفاق لن يقدم للإسرائيليين والفلسطينيين السلام والأمن فحسب ولكن تأثيره سيكون إيجابيا في الشرق الأوسط وفي أنحاء العالم. إننا نلاحظ أمورا تدل على أن إدارة ترامب قد استمعت إلى أفكار العواصم العربية المؤثرة، واقتنعت بأن الانحياز لأطماع اليمين الإسرائيلي لا يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة فحسب بل ويضر بالمصالح الأميركية أيضا. من هذه الأمور تجميد نقل السفارة الأميركية إلى القدس وتعديل النبرة المؤيدة للاستيطان وعزم ترامب على استقبال عباس في البيت الأبيض، إضافة إلى قيامه بتعيين أحد مستشاري البيت الأبيض وهو جيسون جرينبلات كمبعوث خاص للسلام ليتشاور مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية حول آرائهما في عملية السلام. إننا أمام مشهد تتحول فيه مواقف ترامب التي رقص لها اليمين الإسرائيلي المتطرف لتصبح مواقف متوازنة تراعي مقتضيات السلام العادل والشامل، وهو مشهد جديد ناتج عن فاعلية التأثيرات العربية التي أتوقع أن تتزايد في الفترة المقبلة التي تقوم فيها الإدارة الأميركية بتكوين رؤيتها وخطتها لعملية السلام.