يتفاءل السوريون بأن يكون العام السابع الذي يمر على مأساتهم عام اقتراب النهاية، وولادة عام (فيه يغاث الناس) بعد ما ذاقوا من الويلات ما لا يطاق وما يفوق التخيل من العذاب والدمار والقتل والتهجير والتشرد. وتتزامن ذكرى الثورة مع اقتراب عقد الجولة الخامسة من المفاوضات في جنيف، وكانت الرابعة قد انتهت إلى جملة من التصريحات التي استقبلها السوريون ببرود، وما تم إعلانه عن القبول بمناقشة موضوع الانتقال السياسي فقد أهميته عند ربط تقدم المفاوضات حوله بسلال ديمتسورا الأخرى (الانتخابات، الدستور) وقد أضاف الرابعة (الإرهاب) وهي السلة التي تحمل كل أنواع المتفجرات والقنابل الموقوتة القادرة على نسف أي تقدم يحققه المتفاوضون في السلال السابقة. ولم يخف ديمستورا مكيدة ربط سلة الإرهاب بالسلال الثلاث، فقد قال «إما كل شيء أو لا شيء»! ومن البدهي أن تتعثر المفاوضات حول موضوع الإرهاب على رغم كون الجميع يدينونه ويتبرؤون منه، ولكن اختلاف التفسير للإرهاب سيجعل المفاوضات أشبه بندوة سياسية من برامج الحوارات التلفزية الساخنة! فالنظام وحلفاؤه يرون كل من يحمل السلاح ضد النظام إرهابياً، والمعارضة المسلحة ترى أنها حملت السلاح للدفاع عن الشعب بعد أن صبر شهوراً على إرهاب النظام، ويرى النظام أن الميليشيات المحلية والأجنبية التي هبّت للدفاع عنه هي منظمات تعمل في إطار الشرعية، بينما يراها المعارضون والشعب السوري المشرد تنظيمات إرهابية مثل «حزب الله» وكل الميليشيات الطائفية. وكان حرياً بديمستورا أن يعتمد ترتيب الأولويات، وأن يكون الحديث عن الانتقال السياسي وحده هو الأولوية المطلقة، وحين ينتهي إلى تنفيذ ما جاء في بيان جنيف 1 وفي القرارات الدولية حوله، ويتم إعلان هيئة حكم انتقالية تمارس صلاحياتها، يبدأ الحديث عن الانتخابات وعن جمعية تأسيسية تضع مشروع الدستور. وقد فصلت رؤية الهيئة العليا للمفاوضات سيناريو الحل وفق القرارات الأممية ووضعت خطة متكاملة لم تغفل التفاصيل، وقد شارك في بنائها مختصون في الدساتير والقوانين ونخب سياسية متعددة الرؤى، وطرحت للحوار مع العديد من تنظيمات المجتمع المدني، كما طرحت على صعيد دولي في لندن، ثم في الجمعية العامة في نيويورك. وكنت أرجو أن يقدم النظام رؤيته لسيناريو الحل السياسي من وجهة نظره، كي يدرس الفريقان المتفاوضان الرؤيتين معاً، ولكن النظام لم يبدِ إلى الآن أية جدية في طرح الحل السياسي، ولم نسمع أكثر من الحديث عن حكومة وحدة وطنية كأن الثورة قامت من أجل إشراك بعض المعارضين في الحكومة. ولئن كانت المعارضة قد قبلت بالتشارك مع النظام في هيئة حكم انتقالي، فإن الهدف ليس تشكيل حكومة وإنما تشكيل بنية دولة مدنية ديمقراطية ينتهي فيها الاستبداد والطغيان والتغول الأمني الذي قمع الحريات وواجه الشعب بالقتل لمجرد أنه طالب بالحرية والكرامة، ولابد من أن ينتهي دور المنظومة الحاكمة التي ارتكبت من الجرائم ما لم يرتكبه حاكم في التاريخ ضد شعبه. ومع أنني غير متفائل بأن تحقق الجولة الخامسة تقدماً في المفاوضات إلا أنني أجد الإصرار على متابعة العمل السياسي ضرورة لإبقاء القضية السورية محط أنظار العالم واهتمامه، ولكن من الواضح أن النظام ليس مضطراً للتنازل عن أي شيء عبر التفاوض، ما دامت دول كبرى في العالم تناصره، وأخرى تسكت عن مجازره، وأخرى تكتفي باستنكار إعلامي لما يفعل، وما دامت روسيا والصين تملكان حق «الفيتو» الذي يمنع عنه العقوبات وحتى الإدانة في مجلس الأمن. وهو يرى العالم يهتم بقضايا الإرهاب أولاً، ولا يعنيه كثيراً أن يزداد عدد القتلى المدنيين يومياً، وهم يموتون تحت الأنقاض وملايين السوريين يعيشون في الملاجئ والمخيمات أو مشردين على أبواب الدول! وهذا ما يدفع النظام إلى متابعة الحسم العسكري وجعل المصالحات القسرية مع التهجير والتغيير السكاني وسيلة الحل الوحيدة عنده، وروسيا تساعده، وتسعى معه لفرض الإذعان والاستسلام على المعارضة. وأعداء الثورة السورية يدعون أنها انتهت، وقد ارتاحوا لهجرة أكثر من نصف الشعب السوري، وسيتابعون تهجير من يشكون بولائهم عبر الترهيب المستمر وعبر الاعتقال والتعذيب، ولكنهم يتجاهلون أن الحلول القسرية لم تنهِ قضية وطنية في التاريخ كله، ولاسيما أن دماء الشعب ما تزال تنزف، وسيبقى الدم يلاحق المجرمين مهما طال الأمد.