يعتبر «مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل» تجمعاً فريداً من نوعه، سواء من ناحية تكوينه أو من ناحية محاوره، والتي تتناول مختلف قضايا الشباب والمستقبل، حيث عبر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في كلمته عن جوانب وطنية وإنسانية واجتماعية واقتصادية تشكل في مجموعها نهجاً مستقبلياً سيؤدي إلى نقلة نوعية لدولة الإمارات في العديد من المجالات. ومع أنه لا يمكن تناول كل هذه القضايا مجتمعة هنا، إلا أننا سنركز على قضية اقتصادية واجتماعية أشار إليها سموه، أي تلك المتعلقة بقيم أو ثقافة العمل، والتي تشكل أهمية قصوى لانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية العامة ومستويات المعيشة، حيث يمكن من خلال هذه الرؤية إعادة صياغة قيم العمل من جديد. من المعروف أن الثروة النفطية في دول الخليج العربية غيّرت كثيراً من النظرة المجتمعية للعمل، مما أدى إلى ابتعاد المواطنين عن العديد من المهن التي اشتغل بها آباؤنا وأجدادنا وشكلت جزءاً من ثقافة العمل، بل إن بعضها شكّل جزءاً من التراث المحلي الذي نعتز به كثيراً ويشكل جانباً أساسياً من هويتنا الوطنية، كما أن حفر أول آبار النفط تم بسواعد محلية في ظروف شاقة، حيث اكتسب بعضهم مهارات تقنية في الصناعة النفطية. ولا شك أن دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد عندما قال يمكن للمواطن أن يعمل في أية مهنة، هي عودة للأصالة ولقيم العمل التي ستترتب عليها نتائج اقتصادية مهمة، فالكثير من المهن التي لم تعد محل اهتمام العاملين، كما في السابق تتطلب مهارات يمكن اكتسابها وذات مردود مادي مجزٍ، إذ يحضرني في هذا الصدد أحد الفنيين الآسيويين يقوم بتركيب وصيانة أجهزة البث الفضائي ويقدم خدماته بدبي من عشرين عاماً. في المرة الأخيرة التي جاء من أجل إصلاح خلل ما، سألته عن أحواله، رد قائلاً الحمد لله انتهيت من بناء منزلي في بلدي، ومن ثم عرض من خلال هاتفه النقال صور منزله الجديد، عندما شاهدت عرضه قلت هذا ليس منزلاً عادياً إنه قصر بحدائقه الواسعة، ضحك قائلاً: الجميع يقول ذلك. نعم الكثير من المهن تدر عوائد مضاعفة، مقارنة بالوظائف، حيث يتوقع أن يستجيب الكثير من المواطنين لتوجهات الدولة التي تضمنتها كلمة الشيخ محمد بن زايد، مما سيؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كثيرة، أولها تعديل تركيبة سوق العمل وتوازنها بين المواطنين والوافدين، وثانياً تقليل التحويلات المالية للخارج، مما سيدعم ميزان المدفوعات، ويقوي من الأوضاع المالية وادخار المواطنين وتنمية مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة، والتي تشكل عماد الاقتصادات الحديثة. يساهم مثل هذا النهج أيضاً في تطوير القطاعات غير النفطية من خلال مشاريع المواطنين، وهي مسألة مستقبلية مهمة للتحضير لمرحلة ما بعد تصدير آخر قطرة نفط، مما يعني أن هذه الدعوة وهذا النهج لا يتعلقان باكتساب مهن جديدة للمواطنين، فحسب، وإنما تعني تغيراً جذرياً في قيم العمل واحترام كل المهن، مهما كانت صغيرة ومتواضعة، مع ما يعني ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية إيجابية، وذات انعكاسات على أجيال المستقبل، فتكامل مقومات العمل والمعرفة أهم أسس التنمية. وبالإضافة إلى إقبال المواطنين المتوقع، فإن هناك العديد من المؤسسات ذات العلاقة بسوق العمل يمكنها أن تساهم في الإسراع بتحقيق هذه الرؤية المستقبلية بأبعادها التنموية والمجتمعية التي ستعيد تقييم ثقافة العمل بطابع حديث وبمهارات تقنية متقدمة، تتناسب وتوجهات الدولة التي تركز على علاقة الشباب بهذه التقنيات وبالتقدم الذي حققته الدولة في الفترة الماضية، والذي احتلت بفضله المراتب الأولى إقليمياً وعالمياً في العديد من المجالات.