ورد في الأخبار بداية هذا الأسبوع أن المحكمة الدستورية في كوريا الجنوبية أيَّدت قرارَ البرلمان إقالةَ الرئيسة «بارك غوين هي» بسبب تورطها في فضيحة فساد شلّت السلطة. ويعني قرارُ المحكمة إزاحة الرئيسة عن منصبها فوراً وتنظيم انتخابات رئاسية خلال ستين يوماً. وتسرّب أن صديقة الرئيسة، «تشوي سون»، قد استغلت نفوذ الرئيسة لحمل المجموعات الصناعية الكبرى على التبرع بنحو 70 مليون دولار لمؤسسات مشبوهة تشرف عليها، كما اتُهمت «تشوي» بالتأثير غير السليم على شؤون الدولة، كما تم اتهام الرئيسة بالتورط في عمليات فساد عدة خلال فترة حكمها. هذا الخبر يفتح الشهية لحوار طويل أو مراجعة عامة حول حالات الفساد في العالم العربي، وكيف تتم معالجتها! فحالات الفساد، كما تعلنها على استحياء بعض الصحف، متعددة الأنماط، ولكن ما لا يُعلن في كثير من الدول ربما يكون أكبر حجماً وتأثيراً وتخريباً للاقتصادات الوطنية ولدور الدولة في البلدان النامية أو الحديثة! فالقضاء في كثير من الدول لا يقترب من حالات الفساد إلا بإذن الحكومة! ونادراً ما يتم التستر على حالات الفساد، أو تتم تغطيتها بمواد قانونية «لينة» أو «عطاءات» أو «مكرمات» تُمنح للبعض ويُحرم منها البعض الآخر، وهي من الأموال العامة للشعب. إن استيلاء البعض على مساحات زراعية أو سكنية شاسعة دون وجه حق، عبر التمالؤ مع شخص نافذ، يمثل نوعاً من الفساد. وإن رسوَّ العطاءات الضخمةِ على شخص بعينه أو على مؤسسته دون سواها من المؤسسات، ودون مناقصات حقيقية «كما يقول القانون»، هو كذلك نوع من الفساد. وإن المِنَح النقدية التي تُمنح للاسترضاء السياسي والاجتماعي لصالح بعض الشخصيات دون غيرها من بقية أبناء البلاد، هي نوع من الفساد كذلك. وإن التعيينات في المناصب الرفيعة، دون مؤهلات أو خبرات، فقط لمقاربات سياسية أو زبونية، هي نوع من الفساد أيضاً. وإن إقامة المشاريع الوهمية، كما يقترحها «المستشارون الأجانب»، ولا يُسائلهم أحدٌ حول كيفية إدارتها والصرف عليها، هو كذلك نوع من الفساد. وسيكشف التاريخ سوف زيف تلك المشاريع التي لا يستفيد منها إلا مقترحوها ومن هم بجانبهم أو من جنسيتهم، خصوصاً تلك المشاريع المتعلقة بالإعلام، والتي يُقام بعضها في الخارج، ويتم الكشف عن «التلاعب» في أموالها على أيدي أولئك الأجانب. إن سلطة القانون التي أقالت رئيسة وزراء كوريا الجنوبية، تجعلنا نتأسى على «قانون السلطة» الذي يتم تطبيقه في بعض الدول العربية! ولقد كشفت أحداث السنوات الماضية الأخيرة ثروات الرؤساء الذين عصفت بهم الثورات، وحجم ممتلكاتهم التي كانوا يجمعونها دون وجه حق من أموال الشعوب، وللأسف فإن كل الدول التي اكتُشفت فيها حالاتُ فساد داخل قصور الرئاسة هي نُظم جمهورية، ودول كانت وما زالت تحت خط الفقر، ولا صوت فيها يعلو فوق صوت الزعيم. حالات الفساد متنوعة، كما سبق، ولا بد أن تتشكل لجان للرقابة على الفساد، من المؤهلين الذين لا يُرهبهم «الخط الأحمر»، ويضعون نصب أعينهم خدمة أوطانهم. ولا يجب أن تكون من موظفين يخشون انقلاب الكرسي عليهم. والحل الأنجع لمحاربة الفساد، هو تطبيق مبدأ «من أين لك هذا؟»، دون محاباة أو ممالأة سياسية! نحتاج فعلاً إلى مثال عربي لما حصلَ في كوريا الجنوبية، وخلال وجود الرئيس في الحُكم وليس بعد الإطاحة به.