إليكم ما كان يجب أن يقوله وزير العدل الجديد «جيف سيشينز»، عندما تقدم إلى المنصة، الأسبوع الماضي، كي يخاطب الصحفيين، في مقر وزارة العدل: «في نهاية الأمر، ألا ترون أنكم لم تتركوا أي عمل من أعمال عدم اللياقة، إلا واستخدمتموه؟ الحقيقة أن «سيشينز» كان ضحية لعملية اغتيال للشخصية، على النمط المكارثي، من ذلك النوع الذي اعتاد اليسار إدانته دوماً. وفي الحقيقة، أن ما واجهه سيشينز، قد يكون أسوأ من المكارثية، فالسيناتور جوزيف مكارثي كان، على الأقل، محقاً، عندما ادعى أنه كان هناك جواسيس روس في وزارة الخارجية (مثل هيس، والجر، وآخرون غيرهم). في برنامج Meet the press أعلن «جيمس كلابر» مدير الاستخبارات الوطنية في إدارة أوباما، أن جهاز الاستخبارات الذي كان يرأسه منذ أسابيع قليلة فقط، لم يتوصل إلى «أي دليل» على وجود تواطؤ بين أعضاء من حملة ترامب والاستخبارات الروسية. الرجل يقول إنه ليس ثمة دليل. ومن هنا يصبح التلميح بأن «سيشينز»، كان يتواطأ مع الروس، وأنه حاول أن يغطي على ذلك، منافياً للعقل في الحقيقة؛ خصوصاً أن الرجل نفسه أنكره في جلسة الاستماع الخاصة بتثبيته في منصبه، رداً على سؤال وجهه إليه السيناتور آل فرانكلين (ديمقراطي، مينوسوتا) عن الادعاءات التي ترددت حول هذا الأمر، وإجابة «سيشينز» كانت صادقة، وبعد إجابته على سؤال السيناتور آل فرانكلين، تلقى «سيشينز» سؤالاً مكتوباً من السيناتور باتريك ليهي (ديمقراطي- فيرمونت) كان نصه: «هل كان هناك اتصال بينك وبين أي شخص لديه أي صلة بالحكومة الروسية بخصوص انتخابات 2015، سواء قبل أو بعد يوم الانتخابات؟ فكان رد سيشينز: لا «وهي إجابة كانت صادقة هي الأخرى. وكان يمكن لـ«سيشينز»، على سبيل الاستدراك، أن يوضح أنه قد قابل السفير الروسي «سيرجي كيسلياك» في مكتبه بمجلس الشيوخ وبصفته الرسمية كعضو في لجنة الخدمات المسلحة في المجلس، وقد يتساءل أحد: «لماذا كان يتعين عليه أن يفعل ذلك؟ الحقيقة أن سيشينز لم يكن الوحيد الذي قابل السفير الروسي، بل كانت هناك مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الذين قابلوه أيضاً، وليس في هذا ما يدعو للدهشة لأن مقابلتهم للسفير كانت ضمن مهام وظائفهم، بعد ذلك سارعت صحيفة وول ستريت جورنال، إلى نشر تقرير مؤداه أن «سيشينز» قد قابل السفير الروسي بالفعل، في مؤتمر الحزب «الجمهوري». كتبت الصحيفة في ذلك التقرير، ما نصه «أن إدارة ترامب قالت إن وزير العدل جيف سيشينز، كان يتصرف بصفته عضواً في مجلس الشيوخ عندما تحدث مع السفير الروسي خلال إحدى فعاليات المؤتمر الوطني للجمهوريين الذي عقد في كليفلاند»، ولكن «سيشينز» دفع نفقات السفر إلى مقر عقد الحزب من مخصصاته السياسية الخاصة، وتحدث خلال تلك الفعالية عن حملة ترامب بحسب شخص كان حاضراً فيها، ووفقاً للسجلات المالية للحملة. ما كتبته الصحيفة هنا يمكن أن يكون أتفه قصة هذا العام. فما حدث هو: أن سيشينز الذي كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي آنذاك، سافر إلى فعالية سياسية- المؤتمر الوطني الجمهوري- باستخدام أموال الحملة، وليس أموال دافعي الضرائب، كما يتطلب القانون؛ وأن السفير الروسي كان حاضراً في تلك الفاعلية، شأنه في ذلك شأن 80 سفيراً آخر كانوا يشاركون في برنامج دبلوماسي، جرى تنسيقه مع وزارة خارجية أوباما. وقد تقابل هو و«سيشينز» في فعالية عامة تبادلا فيها الحديث. هذا كل ما هنالك، ولكن هذا لم يمنع «ديمقراطيين» بارزين من الدعوة لاستقالة «سيشينز»، كما لم يكن كافياً لإقناع مؤسسات إعلامية كبرى بالتوقف عن الكتابة عن «سلسلة من الأسرار المكتشفة، التي تربط ما بين حملة ترامب وروسيا». هل هي مصادفة محضة حقاً، أن قصة سيشينز، قد تفجرت بعد أن ألقى ترامب خطاباً حظي باستحسان واسع؟ إن رائحة السياسة تفوح بقوة هنا. وتنحي «سينشينز» عن أي تحقيق رسمي يتعلق بحملة ترامب، عمل صائب. فبصفته مسؤولاً سابقاً في حملة ترامب، استنتج «سيشينز»، عن حق، أنه لا يجب أن يكون متورطاً في أي تحقيق عن حملة ترامب لتجنب أي شبهة عدم لياقة. ويشار في هذا السياق إلى أن لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، قد فتحت تحقيقاً حول ما إذا كان هناك أي تواطؤ بين حملة ترامب والاستخبارات الروسية، وهو ما كان يجب عليها أن تفعله أيضاً. والأميركيون في الحقيقة يستحقون إجراء تحقيق دقيق، وغير منحاز حول هذا الأمر للحصول على كل الحقائق. وإذا ظهر أي دليل عن وجود نوع ما من المخالفات، فإن هذه الحقيقة، يجب كشفها ومحاسبة المسؤولين عنها. أما إذا تبين أنه ليس هناك مخالفات؛ فمن الممكن في هذه الحالة أن يكون احتضان ترامب لفلاديمير بوتين خلال حملة 2016 مجرد خيار سياسي خاطئ (يشبه لحد كبير احتضانه لرئيس سوريا بشار الأسد)، فاحتضان الطغاة عمل يدل على التهور، ولكنه لا يشكل جريمة حسب القانون. أما بالنسبة لمطاردة الساحرات، فإن البعض في وسائل الإعلام بحاجة إلى أن ينظروا إلى أنفسهم نظرة طويلة وفاحصة في المرآة، فإذا ما فعلوا ذلك، فسوف يرون وجه «مكارثي» العجوز، وهو يحملق هو أيضاً في وجوههم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»