تحدّث إلى أحد أنصار الرئيس دونالد ترامب، وأغلب الظن أنه سيقول لك في مرحلة ما من الحديث شيئاً يشبه التالي: «إن وسائل الإعلام التقليدية تروج للأخبار الزائفة. إنها تتجاهل كل الأشياء الجيدة التي يفعلها ترامب، لأنها تكرهه وكانت تريد فوز هيلاري. ولهذا تُخصص الكثير من الوقت لتلك القصة السخيفة حول روسيا ولا تخصص ما يكفي من الوقت للتحقيق في ما إن كان برج ترامب قد تعرض لعمليات تنصت». ثم تحدث إلى أحد مناوئي ترامب وأغلب الظن أنك ستسمع في مرحلة ما من الحديث شيئاً كالتالي: «إن روسيا تمتلك شيئاً ما ضد ترامب، فمايكل فلين، وجيف سيشنز، وبول مانافورت، وعدم رغبة الرئيس في انتقاد بوتين وروسيا.. كلها أمور توضح أنه خاضع لقوة أجنبية تتحكم فيه سراً.. ولهذا ينبغي عزله!». إن ما يعكسه هذان الرأيان هو حقيقة أننا بتنا نعيش في زمن «إكس فايلز». فنظريات المؤامرة لم تعد تقابل بالرفض، وإنما أصبحت تُعتبر شيئاً قريباً من الحقيقة. والواقع أن نظريات المؤامرة كانت دائماً موجودة، ولنتذكر هنا النظرية القائلة بأن ثمة مطلق نار آخر في اغتيال الرئيس جون كينيدي، أو تلك التي كانت تقول إن هجمات 11 سبتمبر عملٌ استخباراتي داخلي.. إلخ، لكن مثل هذه «الافتراضات» كانت دائماً توجد على هامش الحوار السياسي.. بيد أننا اليوم بتنا جميعاً نؤمن بنظريات المؤامرة. وتعليقاً على هذا الموضوع، كتب بول موسجريف، الأستاذ بجامعة ماساتشوسيتش، في مقال له بـ«واشنطن بوست» الأسبوع الماضي يقول: «بعد أقل من شهرين على تنصيب هذه الإدارة، لم يعد الخطر يكمن في إمكانية أن يجعل ترامب من أسلوب التفكير الذي يقول بنظريات المؤامرة هو الاتجاه التقليدي السائد، فقد حدث هذا منذ بعض الوقت، حيث باتت نظريات المؤامرة، والشائعات والأكاذيب، تحرِّك دورةَ الأخبار، غير أن الضرر الذي لحق بالثقة جراء التطبيع مع غير الحقيقة يمكن أن يهدد، على المدى الطويل، العقدَ الاجتماعي الذي تقوم عليه الديمقراطية نفسها». إن ترامب يدرك أن الكثير من مؤيديه يَعتبرون أن حقيقة أنه لم يقدم أي دليل ملموس على عمليات التنصت المزعومة هو شيءٌ لا يهم كثيراً: فبالطبع، الأدلة ليست متاحة الآن، لأن المؤسسة السياسية تفعل ما بوسعها للتستر على ذلك وجعل ترامب يبدو في موقف سيئ! والواقع أن الارتياب وعدم الثقة في وسائل الإعلام جد كبيرين لدرجة أنه إذا قالت وسائل الإعلام إنه لا يوجد أساس واقعي يدعم ادعاءات ترامب، فذلك يمثل بالنسبة لأنصاره شهادةً على أنه على حق. وعلى الجانب الآخر من الطيف السياسي، هناك شعور متزايد بين الديمقراطيين بأن ترامب مرتهن للحكومة الروسية، حيث يُنظر إلى حقيقة أن مستشار ترامب السابق للأمن القومي ووزير العدل الحالي لم يتذكرا جيداً الحوارات التي أجرياها مع السفير الروسي، على أنها دليلٌ على صحة ما يذهبون إليه، شأنها في ذلك شأن حقيقة أن ترامب يرفض إصدار تنديد قوي وصارم ضد بوتين وروسيا، أو الدعوة لتحقيق مستقل في العلاقات بين حملته وروسيا. ومما لا شك فيه أن ثمة دخاناً بخصوص علاقات فريق ترامب مع روسيا، غير أن بعض الديمقراطيين يتصرفون كما لو أن ناراً شبّت في البيت الأبيض. كلا، إنه لا يحترق. وبالمقابل، فإن مزيداً من الدخان يفترض أن يعني تحقيقاً حقيقياً، غير أن مزيداً من الدخان لا يضمن وجود حريق ضخم. وخلاصة القول هي أن ركوننا للتعصب الحزبي، وازدياد الكراهية والارتياب تجاه «النخب»، وازدياد المنابر الإعلامية الحزبية، وانهيار الثقة في وسائل الإعلام التقليدية.. أمور خلقت بيئة سامة لا تنمو فيها نظريات المؤامرة فحسب وإنما تتغذى وتزدهر. كريس سيليزا: معلق سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»