ظل النظام الإيراني طيلة العقود الماضية يؤوي بعض قادة الإرهاب ورموز التطرف العالمي في أراضيه وعلى معسكراته لادخارهم واستخدامهم، وفقاً لمصلحة مليشياته وتحركاتهم وخططهم السوداء تجاه المنطقة ودول العالم جمعاء، غير مبالين ولا مراعين لعهود ولا مواثيق، تجمع بينهم لغة سفك الدماء وانتهاك الحرمات وضرب استقرار وأمن الدول، سعياً لتحقيق الحلم المنشود والأمل المفقود في إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، التي حدّث عنها من لا ينطق عن الهوى، صلى الله عليه وسلم، فقال: «إذا سقط كسرى فلا كسرى بعده»، إلا أن العنصرية والحقد الدفين والسباحة في سراب الوهم تدفعهم لزعزعة الأمن والسلم الدوليين. فمنذ فرار مسؤولي «القاعدة» وأعوانهم من أفغانستان بعد الهجوم الأميركي عليها هناك أصبحت إيران هي الحاضنة الآمنة لهم، والملاذ الذي ضمن لهم الاستمرار والانتشار، ووجدوا نبعاً دافقاً للتمويلات والسيولة التي تستخدم كرواتب للمرتزقة والإرهابيين، وثمناً لتنفيذ عمليات المجرمين. وقد مرت «القاعدة» بعدة مراحل في علاقتها مع إيران من ضمنها مرحلة ما قبل 11 سبتمبر، التي بدأت منذ 1992، وكان المُنسّق حينها عماد مغنية وابن لادن، وذلك في بدايات تكوين هويّة وخريطة تنظيم «القاعدة» وعلاقاته مع التنظيمات الأخرى، واتسمت هذه المرحلة بعلاقة تبادل مصالح تكفل لتنظيم «القاعدة» استخدام الأراضي الإيرانية والأراضي التابعة للجماعات التي تنضوي تحت الإشراف الإيراني لتمرير الدعم المادي وعبور الأفراد. وبعد ذلك كانت مرحلة ما بعد أحداث سبتمبر التي ركزت على عملية الاحتواء والحماية والتوظيف من قبل إيران لتنظيم «القاعدة» ورموزه، فقد تعدّت مسألة العبور إلى الحماية وتوفير معسكرات وانطلاق بعض العمليات التي تستهدف دولاً من الأراضي الإيرانية بتنفيذ «قاعدي»، بالإضافة إلى إدماج أعضاء «القاعدة» في معسكرات تدريب، مثل معسكر «ساحل الروح» وهو الأشهر في نظامه العسكري، والذي يتولى تدريب قيادات ميدانية لـ«حزب اللات». كما شكل مقتل ابن لادن أيضاً مرحلة جديدة في العلاقات الإيرانية بـ«القاعدة» ورموزها، حيث تم تسريب قيادات من «القاعدة» إلى الدول المجاورة وغيرها، حاملين أجندة في بعض تفاصيلها مصالح لإيران، وذلك وفقاً لطبيعة الأعمال التي نفذوها في تلك الأراضي. كما تستخدم إيران كذلك رموز «القاعدة» كورقة في بازار المقايضات والمساومات، وأحياناً للابتزاز والاستفزاز. وقد أثبتت وثائق منسوبة لزعيم «القاعدة» وجود تعاون لوجستي بين التنظيم وإيران. ووفقاً للوثائق التي أفرجت عنها أميركا بعد العثور عليها في منزل ابن لادن في مدينة «أبوت آباد» خلال عملية اغتياله، فإن تنظيم «القاعدة» قام بحماية المراقد الشيعية في العراق وسوريا مقابل منح طهران إياه ممراً آمناً لمراسلاته وأمواله، وملجأ يؤوي قادة التنظيم وعائلاتهم. وهكذا بعد نحو خمسة أعوام من مقتل زعيم «القاعدة» كشفت تلك الوثائق جانباً من علاقة التنظيم وإيران. كما كشفت أيضاً أن النظام الإيراني يمتلك أوراق ضغط يمارسها على تنظيم «القاعدة» في سبيل تسخيره لخدمة أهدافه السياسية، كاستغلال نشاطه لإزعاج الأميركيين في العراق، كما تظهر هذه الوثائق، في المقابل، امتلاك التنظيم أيضاً أوراق ضغط فاوض بها الإيرانيين. ووفقاً للإدارة الأميركية، فإن هذه الوثائق عثر عليها في مايو 2011، أي في خضم جولات مفاوضات الملف النووي بين إيران والغرب. وإلى جانب تأكيدها نوعاً من ارتباط المصالح بين إيران و«القاعدة» فقد أثارت الوثائق تساؤلات عن حقيقة وجود تقاطع مصالح آخر بين إيران و«داعش»، وخصوصاً في العراق وسوريا، إذ تبرز أحاديث ميادين القتال في سوريا إحجاماً لحلفاء إيران عن مقاتلة التنظيم مقابل خوضهم قتالاً شرساً ضد فصائل المعارضة الأخرى. إن علاقة إيران بتنظيم «القاعدة» هي علاقة أشبه أن تكون بـ«زواج متعة» أو «زواج مصلحة»، فالنظام الإيراني فتح أبوابه لقيادات التنظيم، على رغم الهوة العقائدية والفكرية الشاسعة بين الطرفين، وقدر عدد من تؤويهم إيران من قيادات التنظيم بنحو 500 شخص، وعلى رغم جميع الأدلة والبراهين والاعترافات بالعلاقة الحميمة التي تجمع بين طهران و«القاعدة»، فإن النظام الإيراني ومليشياته لم يعترفوا بذلك، وظلوا يسعون للتمويه عليها، ومحاولة إلصاق التهم المنسوبة إليهم وجرائم «القاعدة» بأطراف أخرى كالمملكة العربية السعودية، تلك «الكذبة» والادعاءات التي تروج لها طهران للنيل من سمعة جيرانها وتشويه الصورة الحضارية والإنسانية التي تتمتع بها السعودية، فشتان بين من ينشر الخير في أرجاء العالم ومن يضطهد شعبه ويؤذي جاره ويؤوي الإرهابيين. وفي النهاية، وكما قال عز وجل «ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله»..فالحفر التي يحفرها النظام الإيراني، والعثرات التي يراكمها على طرق وسبل السلام في المنطقة، سيكون الوقوع فيها مآل الماكرين والمتآمرين، وستكون سبيلهم إلى الهاوية، بإذن الله.