في ظل حقيقة كون عدد مرضى السكري في ازدياد مستمر، من 108 ملايين عام 1980 إلى 422 في عام 2014، أي بزيادة ثلاثة أضعاف في غضون 34 عاماً فقط، وبناء على أن السكري يعتبر سبباً رئيساً خلف الفشل الكلوي، والذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، وفقدان البصر، وبتر القدمين والساقين، أصبح السكري أيضاً سبباً مهماً على قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري، حيث تسبب السكري عام 2012 في 1,5 مليون وفاة بشكل مباشر، بينما ساهم ارتفاع مستوى السكر فوق المستويات الطبيعية -دون بلوغ مرحلة الإصابة بالمرض بشكل كامل- في 2,2 مليون وفاة هو الآخر. ولذا، في الوقت الذي تحققت فيه إنجازات علمية ضخمة على صعيد (إدارة مرض السكري) خلال العقود الأخيرة، سواء في مجال التشخيص، أو في مجال العلاج، وتخفيف وطأة الأعراض والمضاعفات، إلا أن الأرقام والإحصائيات، وخصوصاً تلك المتعلقة بعدد الوفيات، وبحجم الإعاقات الناتجة عن السكري، تظهر بشكل جلي فداحة الثمن الإنساني والثمن الاقتصادي اللذين ما زال يحصدهما هذا الداء حالياً من أرواح البشر، ومن نوعية حياتهم ومستوى معيشتهم. ويرد هذا الوضع إلى مشاكل مزمنة في السبل الممكنة والمتاحة حالياً لإدارة المرض، مثل الحاجة إلى فحص مستوى السكر في الدم عدة مرات خلال اليوم الواحد، وخصوصاً بين من يتلقون علاجاً بهرمون الإنسولين. وهذا الفحص ضروري لتحديد كمية ونوعية الوجبات التي سيتناولها المريض، ولتحديد مقدار جرعات العلاج. وعلى ما يبدو أن مجموعة من العلماء في «جامعة سيؤول الوطنية» (Seoul National University) بكوريا الجنوبية، قد نجحوا في تخطي هذه العقبة، على الأقل في التجارب المعملية، حسب ما نشر في العدد الأخير من إحدى الدوريات المتخصصة المعنية بالاختراقات العلمية (Science Advances). ففي هذه التجربة قام علماء الجامعة الكورية بتطوير شريحة مرنة مزودة بحساسات «سنسور» يمكنها قياس مستوى السكر في الدم بالاعتماد على العرق، بدلًا من الاضطرار لوخز الإصبع والحصول على قطرة من الدم كما هو الحال في الأسلوب المعتاد حالياً. واعتمد العلماء في فكرتهم تلك، على حقيقة أن العرق يحتوي على كمية من السكر تتناسب مع مستوى السكر في الدم. وإن كانت فكرتهم تلك في بدايتها واجهتها عقبات عدة، كان لابد من تخطيها، مثل أن كمية السكر الموجود في العرق ضئيلة جداً، كما أن المواد الكيماوية الأخرى الموجودة في العرق، وخصوصاً حمض «اللبنيك» أو «اللاكتيك»، يمكنها أن تغير من النتيجة أو القراءة. ولذا زود العلماء شريحتهم تلك بثلاثة حساسات «سنسور» لقياس مستوى السكر في العرق، وحساس رابع لقياس مستوى الحموضة، بالإضافة إلى حساس آخر لقياس الرطوبة وتحديد كمية العرق، لحساب التركيز على أساسها. وتم إدماج جميع هذه الحساسات في شريحة رقيقة مرنة، تتماشى مع حركة الجلد وطبيعته، ويمكن وضعها في أي مكان على الجسم، وخصوصاً الأماكن التي تتميز بعرق غزير، مثل منطقة تحت الإبطين. ويتم تمرير جميع البيانات والقراءات التي تجمعها تلك الحساسات إلى جهاز كمبيوتر صغير الحجم، ليقوم بتحليلها، وبناء عليه تحديد مستوى السكر في الدم. وحسب التجارب الأولية أظهرت الفكرة دقة كبيرة في قياس مستوى السكر مقارنة بالأسلوب التقليدي المتبع حالياً، الذي يعتمد على الوخز والحصول على قطرة من الدم. ويؤمل أن توفير قراءة مستمرة لمستوى السكر في الدم، ودون الحاجة للوخز بإبرة، سيساعد المرضى على إدارة مرضهم بشكل أفضل، واختيار كمية ونوعية الوجبات، وحجم جرعة الأدوية أو مقدار الإنسولين، بناء على متوسط مستوى السكر في دمائهم. ويعمل العلماء حالياً على تطوير الفكرة، لتصبح أيضاً وسيلة لتوصيل الأدوية والعقاقير، بدلاً من مجرد كونها وسيلة قياس فقط حالياً. فمن خلال إدماج جرعات صغيرة من العلاج، وتزويد الشريحة بمنظومة من الحقن المجهرية، سيمكن ساعتها حقن كميات محددة من العلاج مباشرة تحت جلد المريض، حسب قراءات قياس مستوى السكر لحظتها. وعلى رغم أن فكرة حقن العلاج مباشرة في جسم المريض، بناء على مستوى السكر، تتشابه إلى حد كبير مع فكرة مضخة الإنسولين الحالية، إلا أن الجديد هو إمكانية قياس هذا المستوى دون الحاجة لآلام الوخز وإسالة الدماء، كما أن حجم الشريحة، ومرونتها، وتكيفها مع الجلد، يجعلها عملية بشكل أكبر، وأسهل في الاستخدام، مقارنة بحجم وصعوبة التعامل مع مضخات الإنسولين التقليدية، وهو ما يعتبر اختراقاً مهماً في إدارة داء السكري.