نحمد الله على أن بعض الأفكار السيئة لا ترى النور في النهاية. ولكن واحدة من أسوأ الأفكار التي أتذكر أني سمعتها تخضع حالياً للبحث الجاد في وزارة الأمن الداخلي. إنها فكرة نزع الأطفال من آبائهم عند اعتقال الأسر أثناء عبور الحدود الأميركية. وباختصار: لا لهذه الفكرة. إننا لسنا كذلك كأمة أميركية. فرؤية سلطات الحكومة وهي تأخذ أطفالًا صغاراً من أمهاتهم وآبائهم وتضعهم في منازل جماعية، أو دور للرعاية، سياسة لا يمكننا قبولها. وهذا العمل المشين ستصاحبه حوادث لا يمكن تجنبها من سوء المعاملة والانتهاكات والإهمال قد يتمخض عنها حين يتسرب الأطفال خارج النظام. وفرض هذا النوع من القسوة على الأطفال يتعارض مع كل ما نمثله كأمة من أخلاق وتعاطف وحب للحرية. ويجب على الحكومة الاتحادية ألا تتورط في تمزيق الأسر سواء كان أفرادها مهاجرين اعتقلوا عند الحدود، أو آباء يعيشون هنا بشكل غير قانوني مع أطفالهم الذين ولدوا في الولايات المتحدة. واتباع هذه السياسة يفرض تكلفة هائلة على الآباء والأطفال وأيضاً على الولايات المتحدة ككل، كما يضر بشدة بصورتنا في العالم وبعلاقتنا بجيراننا. ومن أجل ماذا؟ إن مسوغ هذا المقترح هو ردع الناس عن القدوم إلى هنا بشكل غير قانوني. ولكن لنكن صرحاء. فالآباء الذين يسعون وراء حياة أفضل لهم ولأبنائهم مستعدون للإقدام على مخاطر استثنائية. فهم يعبرون الحدود بشكل غير شرعي، ويضحون غالباً بآلاف الدولارات من مدخرات اكتسبوها بشق الأنفس طوال عمرهم ليدفعوها للمهربين، ويعرضون حياتهم للخطر مع علمهم بأنهم قد يعتقلون عند الحدود. إن الأمل في الاستمتاع بالحلم الأميركي المتمثل في فرصة عمل ومنح أطفالهم فرصاً لم يحصلوا هم عليها قط أقوى من أي تهديد تصدره واشنطن، بما في ذلك تفريق شمل الأسر. ويجب ألا تكون القضية محل جدل حزبي. والواقع أن على الجمهوريين التصدي لها، مع الأخذ في الاعتبار تركيزهم على الدفاع عن «قيم الأسرة». ولا توجد قيمة أسرية أهم من السماح للأطفال بالعيش مع آبائهم. وحكومتنا يجب أن تحترم هذه القيمة على كل شبر من أرض الولايات المتحدة. صحيح أننا نواجه مشكلة إنسانية عصية على الحل عند الحدود مع المكسيك. فقد اعتقل نحو 54 ألف قاصر ومرافقيهم من البالغين بلا وثائق عند الحدود بين الأول من أكتوبر 2016 وحتى 31 يناير 2017. وهذا ضعف العدد الذي تم توقيفه في الفترة المقابلة قبل عام. وعدد المكسيكيين قليل نسبياً، ومعظم الوافدين هم من أميركا الوسطى. وعلى الرغم من تقلص مستويات العنف في أميركا الوسطى، فقد تزايدت طلبات اللجوء بسبب فقدان الأمل في مستقبل مشرق، والرغبة في جمع شمل الأسر في الولايات المتحدة. وزيادة حالات اللجوء أدت إلى زيادة في تكدس القضايا المؤجلة في النظام القضائي، ومن دون توافر منشآت احتجاز مناسبة يجري الإفراج عن طالبي اللجوء حتى يحل موعد جلساتهم، وهو ما قد يستغرق سنوات. وهذه الفترة الزمنية أذكت فكرة شجع عليها المهربون مفادها بأن عبور الحدود يرقى إلى مستوى مكانة الوضع القانوني الدائم. ولا ننكر أن هذه مشكلة خطيرة، ولكن هناك أيضاً وسائل أفضل بكثير لمعالجتها. والأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب في الآونة الأخيرة بشأن أمن الحدود أصاب في مطالبته بالمزيد من موظفي اللجوء وقضاة الهجرة. ويتعين أن تشترط المعالجة الأسرع للقضية تمثيلًا قانونياً ملائماً كما طالب القضاة بذلك. وتعزيز التعاون مع المكسيك يساعد في تأمين حدودها الجنوبية مع جواتيمالا وبليز. والاستثمار طويل الأمد في نظم حكم وتنمية أميركا الوسطى مهم أيضاً. وفي الختام، فكل هذه الخطوات غير كافية ما لم يتبن الكونجرس مشروع قانون لإصلاح الهجرة يعالج جذور المشكلة وهو حاجة الاقتصاد الأميركي لمزيد من العمال. فالمهاجرون يأتون إلى هنا للعمل، وسيواصلون التدفق بصرف النظر عن مدى بشاعة عمليات الردع ما دامت الشركات والمزارع تواجه نقصاً في الأيدي العاملة، وما دامت أوراق العمل المزورة يمكن شراؤها بسهولة وبثمن زهيد. والحلول ليست معقدة. فيجب أولاً بذل المزيد من الجهد لتأمين الحدود. ويتعين أيضاً تعزيز إصدار تأشيرات الدخول وإعادة هيكلتها وفقاً لحاجاتنا الاقتصادية، وتمهيد الطريق إلى تقديم الإقامة الدائمة للأشخاص المقيمين هنا بشكل غير قانوني والراغبين في دفع غرامات وتعلم اللغة الإنجليزية وإنشاء هوية بيومترية لكل العمال الأميركيين المشروعين. والواقع أن المشكلة تتمثل في أن السياسيين حاولوا إقناع الجمهور بأن الحلول البسيطة مثل إقامة جدار عملاق أو قوة ترحيل هائلة هو كل ما نحتاجه. وأحدث الحلول البسيطة هو أسوأها. إن تيتيم أطفال أبرياء وتمزيق الأسر ليس من الحكمة في شيء. وهو قطعاً ليس متوافقاً مع القيم الأميركية. -------------------- مايكل بلومبيرج* * المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للمدن وتغير المناخ ورئيس بلدية نيويورك السابق ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»