تواجه باكستان منذ فترة طويلة قضية الإرهاب العنيف، بيد أنها تسلك نهجاً انتقائياً في التعامل معها. ففي حين أنها تتخذ إجراءات ضد جماعات إرهابية معينة، فإنها تغض الطرف وربما توفر المأوى لهؤلاء الذين تعتقد أنهم يخدمون أهداف السياسة الخارجية لإسلام آباد. هذه السياسة المزدوجة أثبتت أنها مكلِّفة بالنسبة لهذه الدولة جنوب الآسيوية مع تأصل البنية التحتية للإرهاب، وكذلك العنف الذي يضرب باكستان نفسها. وحالياً تحتجز باكستان حافظ محمد سعيد زعيم «جماعة الدعوة»، الذي يشن حرباً كلامية وأكثر من ذلك ضد الهند، قيد الإقامة الجبرية. هذا القرار هو بالتأكيد خطوة كبيرة من جانب الحكومة الباكستانية، التي كانت توفر المأوى للرجل الذي تتهمه الهند منذ فترة طويلة بالوقوف وراء هجمات مومباي التي أودت بحياة 186 مدنياً بما فيهم العديد من الأجانب. وفي حين أن الهند تطالب منذ فترة طويلة باتخاذ إجراء ضد زعيم «جماعة الدعوة»، الذي يُحرض علناً على الجهاد ضد الهند، كانت باكستان مترددة في توجيه اتهامات ضده. ولكن الآن، وتحت ضغوط من الإدارة الأميركية الجديدة، لم تكتف باكستان باتخاذ إجراء ضده، بل أيضاً اعتقلت أربعة أعضاء من جماعته. ويعد حافظ محمد سعيد هو المؤسس المشارك لجماعة «لشكر طيبة» (أو عسكر طيبة) وهو الآن زعيم «جماعة الدعوة»، التي تعمل أساساً من باكستان. وعلى الرغم من أن «جماعة الدعوة» تزعم أنها منظمة غير هادفة للربح، إلا أنها في الواقع منظمة إرهابية حسب تقارير الأمم المتحدة التي فرضت عقوبات ضدها. ومع ذلك، فقد ظلت باكستان لسنوات ترفض اتخاذ إجراء ضد «حافظ سعيد»، ربما لنفوذه الضخم في المناطق الريفية في باكستان حيث ذروة الأمية. وقد سبق أن اعتقلت باكستان حافظ سعيد لمدة تسعين يوماً بموجب قانون مكافحة الإرهاب، مع ادعاء الحكومة الباكستانية أنها تلتزم بتعهداتها وفقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. أما الهند، فتدرج «حافظ» ضمن أكثر الإرهابيين المطلوبين بسبب جماعة «لشكر طيبة»، التي يُنظر إليها على أنها وراء العديد من الهجمات على الأراضي الهندية. أما حافظ سعيد، الذي تم تخصيص مكافأة قدرها 10 ملايين دولار للقبض عليه، فقد سبق أن وضِعَ قيد الإقامة الجبرية في منزله عقب هجمات مومباي الإرهابية عام 2008، لكن المحكمة العليا في لاهور أطلقت سراحه عام 2009. ترى باكستان أن الجماعات الإسلامية المتطرفة تدمر البلاد من الداخل، وبينما تراقب باكستان التهديدات التي تتصور أنها تأتي من الهند أو أفغانستان، فإن الحقيقة هي أن أكبر تهديد لأمنها الداخلي يأتي من جماعات دينية عديدة نشأت في الداخل وتعمل داخل البلاد. وقد كان هناك عدد لا يحصى من الهجمات ضد أهداف عسكرية ومدارس ومستشفيات، وراح ضحيتها المئات من الأبرياء. وقد شنت باكستان حملة بعد أن هاجمت حركة «طالبان» مدرسة يديرها الجيش في بيشاور عام 2014، ما أسفر عن مقتل أكثر من مائة طفل، لكن هذا العمل ضد الجماعات الإرهابية تلاشى تدريجياً منذ ذلك الوقت. وكان هناك أيضاً هجوم على أكاديمية للشرطة في «كويتا»، حيث أودى المهاجم الانتحاري بحياة 70 شخصاً، بما فيهم العديد من الصحفيين والمحامين في مستشفى في المدينة. وقد تبنت هذا الهجوم جماعة داعش بالاشتراك مع جماعة المجاهدين الأحرار، وهي فصيل من حركة «طالبان» الباكستانية. وقد تمكنت هذه الجماعات الإرهابية من تنفيذ هجمات مدمرة بمحض إرادتها. ووفقاً لبوابة جنوب آسيا للإرهاب، فقد كان هناك ارتفاع في وتيرة العنف ضد قوات الأمن الباكستانية من قبل الجماعات الإرهابية، وبالتالي إذا كانت باكستان جادة حقاً في الحد من العنف ضد قواتها والمدنيين الأبرياء، فمن الواضح أنها تحتاج لاستهداف جميع الجماعات المتطرفة، بغض النظر عن انتماءاتها. ويتعين عليها ضرب السبب الجذري للمشكلة بدلاً من الجهود التفاعلية، حيث تقوم بالحملة فقط بعد وقوع هجوم إرهابي داخل البلاد، وعليها أن تقبل أنه ليس هناك إرهابيين طيبين أو أشرار، وأنه لا بد من القضاء على جميع الجماعات الإرهابية من أجل وحدة وسلامة باكستان. إن الإرهاب في هذا العصر لا يمكن استخدامه كأداة للدولة في السياسة الخارجية. ليست فقط الهند وأفغانستان اللتين تتهمان إسلام آباد بتعزيز الجماعات الإرهابية، بل أيضاً دول العالم الأخرى. وكثيراً ما تتهم الولايات المتحدة باكستان بأنها تأوي حركة «طالبان» الأفغانية في المناطق القبلية المتاخمة لأفغانستان، حتى في الوقت الذي تحاول فيه قمع «طالبان» الباكستانية، ويعد هذا مثالاً واحداً للاستهداف الانتقائي للجماعات الإرهابية. والعدد المتزايد للهجمات الإرهابية داخل باكستان لهو دليل واضح على أن هذه السياسة تقود البلاد لحالة من الانفلات الأمني. فالعنف والتفجيرات الانتحارية التي تحدث في شوارع كراتشي، المركز التجاري للبلاد قد أضرت بالفعل باقتصاد الدولة وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات حازمة لكبح جماح جميع الجماعات الإرهابية، لا بد أن تنزلق الدولة في مستنقع التفكك. د. ذِكْرُ الرحمن* *مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي