أقامت امرأة عربية أمام محكمة إماراتية دعوى ضد زوجها الذي ينتمي إلى الجنسية نفسها تطالب فيها بإثبات زواجها منه، وإثبات نسب مولودتها التي رُزقت بها منه في مستشفى في الإمارات، بعد أن تقاعس الزوج عن استخراج الأوراق الثبوتية الخاصة بالطفلة، لكن المحكمة فرَّقت بينها وبين زوجها، وأثبتت نسب المولودة إليه. وجاء الحكم موافقاً لصحيح القانون، إذ إن عقد زواج المدعية بالمدعَى عليه كان قد أبرم في بلديهما، لكن من دون حضور وليِّ المرأة، حيث إن القانون في ذلك البلد يجيز للمرأة البالغة الراشدة تزويج نفسها، ولمَّا لم تحضر المرأة ذلك القانون، وفشلت في إثباته، فقد طبَّقت المحكمة القانون الإماراتي الذي لا يجيز الزواج من دون وليّ، فحكمت بالتفريق وبإثبات النسب. وللوقوف على حيثيات التفريق بين شخصين ارتبطا برباط الزوجية، وأنجبا طفلاً، بموجب قانون يعبّر عن وسطهم الاجتماعي، وفي ظلِّ أوضاع ثقافية مقبولة لديهم، لا بد من العودة إلى قواعد الإسناد في مثل هذه المسائل، أي القانون الواجب التطبيق، ففي المسائل الأسرية لغير المواطنين، هناك اتجاهان؛ اتجاه يرى تطبيق قانون الدولة التي يقيمون فيها، واتجاه يرى تطبيق قانون الجنسية التي ينتمون إليها، وقد أخذ المشرع الإماراتي بالاتجاه الأول، ما لم يتمسَّك غير المواطن بتطبيق قانونه. وقد يبدو الأمر منطقياً للوهلة الأولى، فكل ما على الأجنبي فعله هو التمسُّك بتطبيق قانونه أمام القاضي، لكن من الناحية العملية التمسُّك بتطبيق القانون يتضمن إحضار الخصم القانون نفسه، مصدقاً عليه من الجهات المعنية في بلده، ومن الجهات المعنية في الإمارات، فضلاً عن ترجمته إن كان بغير العربية، ثم تقديمه للمحكمة. ولو عُرضت على المحكمة نفسها، وفي الجلسة نفسها، دعوى مشابهة لأجانب ينتمون إلى البلد نفسه، فإنهم أيضاً مطالبون بإحضار القانون نفسه، والسير في الإجراءات نفسها، وهكذا المحاكم تطالب في كل مرة، وفي كل دعوى، ومع كل خصوم أجانب، بإحضار قانون مصدَّقٌ، وتحمّل كل واحد منهم المشقة والوقت والجهد والمال لإحضار القانون بتلك الكيفية. هذا الإجراء لا أعتقد أنه يتلاءم مع التوجّه الحكومي في الإمارات نحو الحلول غير التقليدية على كل المستويات، فمنذ بداية العام الجاري فقط أُنشِئت في الإمارات نيابة ومحكمة للسياحة، وأنشِئت محكمة للأحوال الشخصية خاصة بغير المسلمين، وأُنشئت نيابة عامة متخصصة لتدابير الخدمة المجتمعية، وصدر قانون الأمر الجزائي، وهي كلها مبادرات تهدف في المقام الأول لإسعاد المواطن والمقيم والسائح. ولعل الحل يكمن في إجراء تعديل على قانون الأحوال الشخصية، بأن تطبق المحكمة على غير المواطنين قانون جنسيتهم ما لم يطالبوا بتطبيق قانون الإمارات، وليس العكس كما هو منصوص عليه الآن، لتكون مهمة البحث عن القانون الواجب التطبيق من عمل المحكمة وليس الخصوم، خصوصاً أن المواقع الإلكترونية الحكومية لمختلف دول العالم توفر القوانين النافذة فيها، كما أنه يمكن التنسيق مع سفارات الدول لتوفير كل قوانينها المتعلقة بالأسرة، هذا فضلاً عن قدرة محاكم الدولة على إنشاء مكتبة قانونية تضم مختلف القوانين التي سبق للمتقاضين تقديمها. -------------------- *كاتب إماراتي