لعدة سنوات، كان المسرح الملحق بمطعم «كريستال بالاس» الشهير في مدينة «أسبن» يقدم أغنية من فيلم «كباريه» الغنائي، كان الحاضرون يعجبون بها أيما إعجاب، اسمها «حكاية زبدة الفول السوداني». تحكي الأغنية قصة مدير تنفيذي، كان قد ذهب إلى العمل ذات يوم، من دون أن يغسل وجهه جيداً، ويزيل بقايا زبدة الفول السوداني، التي كانت متجمعة على ذقنه. وعلى الرغم من أن بقايا الزبدة كانت واضحة، فإن أحداً من موظفيه لم يجرؤ أن يقول له شيئاً عنها. ولكنه عندما عاد إلى المنزل، أخبرته زوجته عنها مما أصابه بالفزع، ولكن كان أكثر فزعاً عندما تردد على العمل خلال الأيام القليلة التالية، وبات يحس مع كل هزة من رأسه يومئ بها إلى مرؤوس، أن هناك بقايا من زبدة الفول السوداني متجمعة على ذقنه. إن هذه المحاكاة الساخرة من جانب المرؤوسين، الذين يميلون لتقليد رؤسائهم بشكل غبي، وردت على ذهني، عندما كنت أسمع مساعدي ترامب وحلفاءه، وهم يبررون الاتهام الذي وجهه الرئيس صباح يوم السبت الماضي- من دون أي دليل- للرئيس السابق باراك أوباما، بأنه قد أمر بمراقبة هواتف «برج ترامب» خلال حملة انتخابات 2016 الرئاسية. لقد بدا الأمر لي، وكأن جميع أفراد فريق ترامب، يحملون بقايا زبدة فول سوداني على ذقونهم، وكان السؤال الذي خطر على بالي هو: أي منهم تحديداً، كان يحمل أكبر كتلة من تلك الزبدة على ذقنه؟ وقع ترشيحي على «سارا هاكابي ساندرز» نائبة السكرتير الصحفي للرئيس، التي أدلت بتصريح لشبكة «إيه. بي. إس»، هذا الأسبوع تحديداً قالت فيه: «إن ترامب قد أدلى بتصريحه استناداً لمعلومات رآها، وقادته للاعتقاد أن هذا الشيء يعد احتمالاً حقيقياً للغاية». ما معنى معلومات محددة رآها؟ ما الشيء الطائر غير المحدد الذي رآه؟ وكيف يمكن أن يجعل من ذلك معياراً لاتهام سلفه في المنصب، بمثل هذه الجريمة الشريرة؟ ولكن «ساندرز» مجرد متحدثة، تحاول أن تبرر شيئاً غير معقول. أما الشيء الأكثر إثارة للقلق، فقد كان هو مشاهدة جندي شريف وهو «جون كيلي» وزير الأمن الداخلي، وهو يدافع عن ادعاء ترامب على شاشة «سي إن إن» قائلاً: «إن الرئيس لا بد أن يكون لديه أسبابه». ما دام الأمر كذلك، فلماذا لا يعرف وزير الأمن الداخلي مثل هذه الأسباب؟ ولماذا لا يقوم الرئيس بمشاركته فيها؟ وبالمناسبة، لماذا تظهر أيها الوزير على شاشة التلفاز، وقد تجمعت كتلة من زبدة الفول السوداني على ذقنك، لتقول إن الرئيس لديه أسبابه، ومن دون أن تقول لنا ما هذه الأسباب؟ هذه هي الطريقة التي يلوث بها رئيس مفلس أخلاقياً كل شخص من المحيطين به، حتى لو كان رجلاً طيباً مثل كيلي. لقد خاض ترامب السباق الانتخابي، على أجندة قدم لنا على أساسها وعوداً بحماية الأميركيين من الإرهابيين، والمهاجرين، واتفاقيات التجارة الحرة، ولكن السؤال هنا هو: من يحمينا منه هو شخصياً؟ إذا ما كان رئيسنا لديه الرغبة، أن يلقي تحت عجلات الحافلة، ومن دون أدنى اهتمام، بمبادئنا الأكثر جوهرية المتعلقة بالسلوك الرئاسي- ومنها على سبيل المثال ألا تقوم باتهام سلفك في المنصب بجريمة كبرى من دون دليل- فقط كي تحول الأنظار بعيداً عن آخر ورطة وقعت فيها- فإن معنى ذلك أن أصبحنا في مواجهة مشكلة حقيقية. أمامنا العديد من الأشياء الكبيرة والصعبة التي نحتاج للقيام بها، ولكن المشكلة هي أن هذه الأشياء الكبيرة والصعبة، يجب أن يتم عملها معاً، وهو ما يتطلب بدوره قائداً يمكن أن يوحد جهودنا من أجل عمل الأشياء الجديرة بطاقاتنا وإخلاصنا- مثل الإصلاح السليم لنظام الرعاية الصحية، وإصلاح نظام الهجرة، وإصلاح نظام الضرائب، والاستثمار في مجال البنية التحتية، أو العمل بشكل سليم مع الصين وروسيا، متى ما كان ذلك ممكناً، أو رسم الخطوط الحمراء عندما يتعين علينا ذلك. ولكن الأمر يتطلب إلى جانب ذلك، أن يكون لدينا أيضاً ثقة في نزاهة هذا القائد، بحيث نضمن أنه عندما تسوء الأشياء، وتزداد صعوبة، لن يقوم بالتخلي عن مساعديه وأتباعه، وطعنهم في الظهر، وأستطيع أن أجزم أنه لا يوجد هناك في الوقت الراهن عضو كونجرس من الحزب «الجمهوري»، أو حليف في الخارج، لا يسأل نفسه: «هل أستطيع أن أثق بهذا الشخص عندما تزداد الأمور صعوبة.. أم أن ترامب سيعمل على تدوين تغريدة خالية من الحقائق على تويتر، تتضمن هجوماً عليَّ؟ وهل أستطيع حقاً أن أثق بمشاركته بما لدي من معلومات؟». إن الحكومات تتحرك «بسرعة الثقة» حسب ما يقول «ستيفن إم. آر. كوفي» في كتابه المعنون «سرعة الثقة»، والذي يقول فيه أيضاً: «هناك شيء مشترك بالنسبة لكل شخص، وكل علاقة، وكل فريق، وكل عائلة، وكل مؤسسة، وكل أمة، وكل اقتصاد، وكل حضارة في مختلف أنحاء العالم.. إنه شيء واحد، يمكن أن يؤدي اختفاؤه لتدمير أكثر الحكومات قوة، وأكثر الاقتصادات ازدهاراً، وأكثر القيادات عظمة، وأكثر الشخصيات نفوذاً، وأكثر الصداقات تماسكا، وأكثر قصص الحب عمقاً.. هذا الشيء الواحد هو الثقة». على الرغم من العدد الغريب من اللقاءات مع الروس، فلم يظهر دليل على أن فريق ترامب قد تواطأ مع روسيا، ولكن ما أعلنته أجهزتنا الاستخبارية الثلاثة، مع ذلك، هو أن روسيا قد قامت بالفعل باختراق انتخاباتنا بالنيابة عن ترامب، ونظراً لأن المزيد من جوانب حياتنا، ينتقل الآن إلى الفضاء الإلكتروني، فإن فهم كيف حدث ذلك تحديداً، والسبب الذي يجعله يحدث -على الأرجح- في الانتخابات الأوروبية في الوقت الراهن، وكيف يمكننا ردع هذا السلاح الجديد والحيلولة دونه ودون تقويض الغرب، وهو تحديداً الهدف الذي تسعى إليه روسيا، هو موضوع أمني فائق الأهمية بالنسبة لنا، ذلك لأنه من دون عملية انتخابية يمكن لنا الثقة بها، فإن مصيرنا هو الغرق لا محالة. مما يدعو للأسف، أن معظم أعضاء الحزب «الجمهوري» قد باتوا الآن «غائبين من دون إذن رسمي» أخلاقياً، حيث يفضلون أن يخفوا آثار القرصنة الروسية تحت السجادة، بدلاً من السعي لإجراء تحقيق مستقل وموثوق به عنها. علاوة على ذلك، من المؤكد أنه سيأتي يوم عما قريب، ويحدث شيء- في كوريا الشمالية، أو في بحر الصين الجنوبي، أو في أوكرانيا، أو إيران، يتطلب من الرئيس أن يتخذ قراراً، حينئذٍ سينظر ترامب إلى الشعب الأميركي في عينه ويقول له: (ثق بي- لقد اتخذت قراراً بهذا الشأن بناء على أفضل ما حصلت عليه من معلومات ونصائح من أجهزة استخباراتنا)، أو يقول له: (ثق بي، لقد كنا بحاجة للعمل مع روسيا في هذا الخصوص). من سيصدقه حينئذٍ؟ ليس هناك ما هو أكثر خطورة من قيام رئيس الولايات المتحدة بإهدار الثقة فيه، قبل أن يقودنا لاجتياز أزمة، ولكن هذا ما يحدث عادة، عندما يحيط الرئيس نفسه بأناس، لديهم استعداد لترك بعض قطع زبدة الفول السوداني تتناثر على ذقنهم، وهو ما تعبر عنه أغنية «زبدة الفول السوداني» الشهيرة التي تقول محذرة في أحد سطورها: «من الغريب أن نفكر فيما يمكن أن يفعله شخص ما، لمجرد أن الجميع يعتقدون أنه على صواب». *كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»