ناضل المحافظون من أصحاب الضمير -فلا يزال هناك بعض منهم على كل حال- والتحرريون وأصحاب المصالح التجارية لجعل النقاشات الفكرية ونقاشات الاقتصاد الكلي دافعة لتحفيز التجارة الحرة. وربما يكون الوقت قد حان الآن لكي نُعمل الفكر ونرى أي فئة من الأميركيين ستتضرر أكثر من غيرها جراء الحمائية، وأن نُحَمِّل البيت الأبيض وأعضاء الكونجرس مسؤولية الضرر الذي ستسببه سياساتهم الحمائية تلك. وقد قدم «مارك بيري»، من معهد أميركان إنتربرايز، خريطة مفيدة لتتبع نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي يعتمد على التجارة في كل ولاية أميركية، حيث وجد أن «متوسط الحصة التجارية للولايات الأميركية في عام 2015 بلغ 17,7%، وتراوح بين نسبة منخفضة تبلغ 5,3% في ولاية ساوث داكوتا، ونسبة عالية بلغت 38,0% بالنسبة لميتشيجان، تليها ولايات لويزيانا (35,1%) وكارولينا الجنوبية (34,8%) وتينيسي (34,7%) وكنتاكي (34,3%) وواشنطن (30,9%) وتكساس (30,7%). وستلاحظون أنه باستثناء واشنطن، فقد صوتت كل هذه الولايات للرئيس ترامب، وكل هذه الولايات عدا ولايتين لديها أعضاء مجلس شيوخ جمهوريون، وكل هذه الولايات، باستثناء واشنطن أيضاً، فيها أغلبية من الجمهوريين في المؤتمر الحزبي للكونجرس. وبعبارة أخرى، فإن الجمهوريين يتحملون النتائج ويجب محاسبتهم من قبل الولايات التي من المرجح أن تتأثر بتعطيل التجارة الدولية. ويوضح بيري ذلك قائلًا: «إن العديد من الولايات الأميركية، ولاسيما تلك التي فيها تصنيع، أو كثيفة الاستهلاك للطاقة، اكتسبت صفة العولمة بدرجة كبيرة، وتعتمد على التجارة الخارجية بالنسبة لجزء كبير من الناتج الاقتصادي والوظائف فيها. وتمثل أنشطة التجارة الدولية (الصادرات والواردات) أكثر من 20% من الناتج الاقتصادي (الناتج المحلي الإجمالي) بالنسبة لواحدة تقريباً من كل ثلاث ولايات أميركية، وأكثر من 25% بالنسبة لتسع ولايات و30% أو أكثر بالنسبة لسبع ولايات من تلك السابق ذكرها أعلاه. أما أنشطة التصنيع في الولايات المتحدة في مجال السيارات والطائرات التجارية وغيرها من السلع المصنعة فهي تعتمد بشكل متزايد على التوريد العالمي المتشابك عبر البلاد، وسلاسل القيمة بالنسبة للمدخلات والمواد الخام وقطع الغيار والمستلزمات والمنتجات النهائية التي تجعل الحدود الدولية غير ذات صلة على نحو متزايد». ويريد ترامب ومعلموه التجاريون تعطيل وتفكيك سلاسل التوريد العالمية، ولكن بأي ثمن وما الذي سيحل محلها؟ في رأيي أن وجهات نظر «بيتر نافارو»، المستشار التجاري لترامب «مزحة، وكتالوج من الارتباك والأخطاء في المفاهيم الأساسية تربطها نظرية المؤامرة» ولذلك تلقى سخرية باعتبارها مضللة وغير متوازنة. والحقيقة أنه ليس فقط أن المستهلكين هم الذين يستفيدون من نظم التجارة الدولية بل أيضاً المصنعون المحليون، والسبب في ذلك، جزئياً، هو أن فصل أسواقنا ذو تداعيات على المصدرين لدينا نحن أيضاً. ويشير بيري إلى أن «ترامب، في عالمه المتخيل للتجارة الدولية، يعتقد إلى حد ما أنه يستطيع فرض عقوبات على الشركات الأميركية برفع التعريفة الجمركية على أسعار الواردات/ المدخلات، ولكن مع عدم وجود تخفيضات في الصادرات بالنسبة لشركات مثل بوينج وجنرال موتورز وفورد». ويستطرد «في العالم الحقيقي، هذه التكاليف المتزايدة بالنسبة للمدخلات نتيجة لزيادة التعريفة الجمركية ستؤدي إلى خفض المبيعات المحلية والخارجية (الصادرات) بالنسبة للشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، ومن ثم الحد من قدرتها التنافسية وخفض مستويات التوظيف وفرص العمل لديها». ويحتاج معارضو الحمائية إلى جعل تكاليفها واضحة. وعلى سبيل المثال، جاء في تقرير لمركز أبحاث السيارات، الذي تموله مجموعة تجارية لشركات صناعة السيارات أنه: «إذا كانت الولايات المتحدة ستقر تعريفة جمركية بنسبة 35% على السيارات المستوردة من المكسيك، فإن هذا سيؤدي، إلى خفض المبيعات بنحو 450 ألف سيارة، مما يعني فقد ما يقرب من 6700 فرصة عمل في أميركا الشمالية (بعضها في الولايات المتحدة). وعلاوة على ذلك، فإن ارتفاع الأسعار على قطع غيار السيارات المكسيكية سينتشر في جميع أنحاء سلاسل التوريد على كلا الجانبين من الحدود، ما يؤدي إلى فقدان 31 ألف وظيفة أيضاً في مجال تجميع السيارات وقطع الغيار في الولايات المتحدة»، وفقاً لتقديرات مركز أبحاث السيارات نفسه. وبالنسبة للشركات الأميركية، والمستهلكين والمسؤولين المحليين، ربما يكون الآن هو الوقت المناسب لجعل الجمهوريين يشعرون بالمسؤولية. فكيف يقومون بترجمة خططهم إلى نمو وفرص عمل في البلاد؟ وما تأثير ذلك على التصنيع في الولايات الخاصة بهم؟ بالنسبة لترامب وستيفان بانون ربما يكون هذا جزءاً من بعض الألاعيب السياسية لتأجيج نيران السخط في قاعدتهم كما كان الحال في حزام الصدأ (مصطلح يطلق على المنطقة المتداخلة العليا شمال شرق الولايات المتحدة، البحيرات الكبرى وولايات الغرب الأوسط، ويشير إلى التدهور الاقتصادي، وعدد السكان، واضمحلال المناطق الحضرية بسبب تقلص قوة القطاع الصناعي الذي كان قوياً سابقاً. وقد اكتسب هذا المصطلح شعبية في الولايات المتحدة في فترة الثمانينيات). وبالنسبة لكثيرين في أميركا الآن، فإن أجندتهم ستجعل عام 2017 يبدو مثل الأيام الخوالي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»