هناك سؤال الآن في غاية الأهمية، وقد يفتح الشهية البحثية لدى خبرائنا العسكريين والأمنيين من المعنيين بدراسة تاريخ حرب أكتوبر واستخلاص الدروس المستفادة منها، كما يفعل الخبراء الإسرائيليون حتى الآن كلما نشرت وثائق جديدة. السؤال يدور حول ما إذا كان خط بارليف على قناة السويس قد تلقى حقاً إنذاراً من قيادة الجيش الإسرائيلي في ساعة مبكرة من صباح يوم السادس من أكتوبر 1973 بأن يستعد لهجوم مصري سيقع في اليوم نفسه. وإذا كان خط التحصين قد تلقى بالفعل إنذاراً فلماذا لم يمنع هذا الإنذار تساقط الحصون أمام هجوم القوات المصرية المعززة بالقوات العربية المساندة. طبعاً من حق القارئ أن يسألني عن السبب الذي يدعوني لطرح هذا السؤال من الأساس في هذا التوقيت، والإجابة تأتي من إحدى الوثائق السرية الإسرائيلية التي أفرج عنها أرشيف وزارة الدفاع الإسرائيلية مؤخراً، والتي تتضمن محاضر التحقيقات التفصيلية التي أجرتها لجنة «أجرانات» مع عدد من القادة العسكريين الميدانيين الذين خدموا في جبهة سيناء في فترة الحرب. ومن هذه الوثائق وثيقة التحقيق مع العقيد «بنحاس نوي» الذي تولى منصب قائد اللواء رقم 275 منذ بداية شهر سبتمبر 1973. كانت قوات هذا اللواء، كما يذكر العقيد نوي في محضر التحقيق، منتشرة في حصون خط بارليف في المنطقة الشمالية من قناة السويس، وكانت مسؤولية اللواء تمتد على الضفة الشرقية من القناة من منطقة «البلاح» مروراً بمدينة «القنطرة» ووصولاً إلى بورفؤاد وبورسعيد، وكان مركز قيادة اللواء موجوداً في بالوظة. لقد أخبر هذا الضابط لجنة التحقيق بأنه تلقى في الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم السادس من أكتوبر إنذاراً من قيادة جبهة سيناء بأن الحرب ستندلع في اليوم نفسه بعد العصر، وبالتحديد الساعة السادسة مساءً، وأن عليه أن يستعد ويجهز قواته لتنفيذ الخطة العسكرية المعدة مسبقاً لمواجهة هذا الاحتمال والدفاع عن حصون خط بارليف التابعة له في مواجهة الهجوم المصري. كذلك ذكر الضابط المذكور أن الأمر الذي صدر له بالاستعداد نص على تنفيذ خطة «برج الحمام» اعتباراً من الساعة السادسة، وبرج الحمام هو الاسم الكودي للخطة المعدة سلفاً للدفاع عن خط بارليف. لقد راح الضابط يشرح بناءً على أسئلة أعضاء لجنة التحقيق الفرق بن خطة «برج الحمام» الضيقة وخطة «برج الحمام» الموسعة. ويتبين من شرحه أن الخطة الضيقة تعني استخدام القوات الموجودة في حالة التراشق المدفعي مع المصريين وفي حالة قيام المصريين بغارات محدودة على الحصون الإسرائيلية، أما الخطة الموسعة فهي مخصصة لمواجهة هجوم مصري واسع وفي هذه الحالة يتم دفع تعزيزات من الدبابات والمدفعية إلى خط بارليف لتدعيمه. خلاصة الوثيقة تفيد بأن الهجوم المصري قد بدأ في الثانية بعد الظهر قبل أن يتم الاستعداد الإسرائيلي الذي كان مخططاً أن يكتمل مع الساعة السادسة مساءً، طبقاً للإنذار الوارد من القيادة، وهو ما أدى إلى اجتياح الحصون. لقد استنتجت لجنة «اجرانات» من التحقيق مع الضابط أن خطة الخداع المصرية قد انطلت على قيادة الجيش الإسرائيلي ومخابراته، فلم يكتمل الاستعداد في خط بارليف الموجود على خط القناة حتى لحظة وقوع الهجوم المصري.