حين قدم الرئيس السابق باراك أوباما إفادة للمرة الأولى للرئيس المنتخب دونالد ترامب، بعد فوزه على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، في الثامن من نوفمبر عام 2016، حذّر أوباما من أن أخطر مشكلة أمن قومي تواجه ترامب تتمثل في السلوك الخطير والمراوغ للزعيم الكوري الشمالي «كيم يونج أون». فكوريا الشمالية تمتلك أسلحة نووية وبرنامجاً قوياً للصواريخ الباليستية وجيشاً كبيراً مزوداً بقوة مدفعية تحتل مواقع يسهل من خلالها استهداف سيول عاصمة كوريا الجنوبية. وسياسة بيونج يانج المعلنة تؤكد على إعادة توحيد كوريا تحت قيادتها وهو مفهوم غير مقبول بالمرة من جيرانها. وبعد فترة قصيرة من تولي ترامب المنصب في 20 يناير، أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً متوسط المدى في 12 فبراير وقطع الصاروخ نحو 500 كيلومتر ثم سقط في بحر اليابان. وبعد ذلك بيوم واحد اغتيل «كيم يونج نام»، الأخ غير شقيق للزعيم «كيم يونج أون». وقد اغتيل «كيم يونج نام» بالسم في وضح النهار في ماليزيا حين كان يهم بالمغادرة عن طريق مطار كولالمبور الدولي. ويُعتقد أن مقتله جاء بإيعاز من الزعيم الكوري الشمالي. ويوم الاثنين الماضي، السادس من شهر مارس الجاري، قامت كوريا الشمالية بإطلاق أربعة صواريخ في بحر اليابان على الأقل، سقط أحدها في المنطقة الاقتصادية الحصرية في اليابان. ولم تعلن إدارة ترامب بعد سياستها بشأن التعامل مع التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية، لكنها بدأت على ما يبدو في انتهاج سياسة رامية إلى تعزيز الدعم لكل من كوريا الجنوبية واليابان، وهما حليفاها الأكثر عرضة للتهديد المباشر من جانب كوريا الشمالية. والواقع أن الصين هي الدولة الوحيدة التي تستطيع فعلياً ممارسة ضغوط على كوريا الشمالية. لكن رغم قلق الصينيين العميق من تصرفات الزعيم الكوري الشمالي، فإنهم على ما يبدو يخشون إذا أمعنوا في الضغط عليه أن يشن حرباً ضد كوريا الجنوبية، وهو ما يورط الولايات المتحدة تلقائياً في عمل عسكري في شبه الجزيرة الكورية، وحينئذ فإن ضغطاً عسكرياً من ذلك القبيل قد يتسبب في انهيار نظام الحكم في بيونج يانج. وكلا النتيجتين كارثيتان بالنسبة للصين. فنشوب حرب في شبه الجزيرة الكورية يهدد الطرق البحرية الحيوية في بحري اليابان الشرقي والجنوبي، وهي طرق حيوية للصين وشبه الجزيرة الكورية واليابان وتايوان والولايات المتحدة والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. وانهيار النظام الحاكم في بيونج يانج قد يؤدي إلى هجرة هائلة ومثيرة للقلاقل نحو الأراضي الصينية المجاورة لكوريا الشمالية، أو إلى إعادة توحيد شبه الجزيرة تحت سيطرة كوريا الجنوبية، وهذا ما لا تريده بكين. وإذا ظلت الولايات المتحدة حليفاً لكوريا الموحدة، فهذا يعني وجودا عسكرياً أميركياً بالقرب من الحدود الصينية. وكل هذه السيناريوهات تعتبر شديدة الخطورة على نظام بكين. وأمام هذه الأزمة تواجه السياسة الأميركية عدداً من المشكلات والمعضلات في الداخل. فإدارة ترامب مازال يتعين عليها أن تملأ مناصب مهمة في وزارتي الخارجية والدفاع، وهما الوزارتان المسؤولتان بشكل مباشر عن القضايا الأمنية في شرق آسيا. والمشكلة الثانية هي أن ترامب مازال منهمكاً في عدد من الأزمات المحلية التي يتحمل فيها هو شخصياً بعض المسؤولية. فواشنطن منشغلة بالدور الذي لعبته روسيا في الانتخابات الأميركية واحتمالات وجود تواطؤ بين نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأعضاء في حملة ترامب الانتخابية للإضرار بحملة منافسته هيلاري كلينتون. وكان وزير العدل الأميركي «جيف سيشنز» قد صرح الأسبوع الماضي بأنه سينأى بنفسه عن أي تحقيقات حول مزاعم التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية العام الماضي، بسبب دوره في الحملة الانتخابية لترامب. وقد أكد سيشنز أنه لم يرتكب أي مخالفة عندما لم يكشف في شهادة أمام المجلس عن لقائه بالسفير الروسي في واشنطن سيرجي كيسلياك العام الماضي. والجدير بالذكر أن وكالات استخبارات أميركية قد خلصت العام الماضي إلى أن روسيا اخترقت وسربت رسائل بريد إلكتروني تابعة للحزب الديمقراطي الأميركي خلال الحملات الانتخابية، في إطار مسعى لجعل التصويت في صالح المرشح دونالد ترامب. لكن الكرملين نفى تلك المزاعم. وثار غضب ترامب بعد تصريحات سيشنز وأطلق وابلاً من التغريدات، في الرابع من مارس الجاري، مفادها أنه يعتقد بأن إدارة أوباما قد تنصتت على هواتفه في مقر حملته في نيويورك في برج ترامب. ولم يقدم ترامب دليلاً على هذا الاتهام، والذي إذا ما صحّ بالفعل، سيكون أكبر فضيحة في التاريخ الأميركي منذ أزمة ووترجيت التي أجبرت ريتشاد نيكسون على الاستقالة من منصب الرئاسة في أغسطس 1974. وإلى أن يتعلم ترامب كيف يكبح جماح نفسه في استخدام «تويتر»، كطريقة مفضلة لديه في التواصل مع الجمهور الأميركي، فإن الاضطرابات التي يخلقها بإصدار رسائل تهييجية، أصبحت تسيطر على السياسات اليومية في واشنطن، وهو أمر غير مفيد للبلاد وللعالم، ولن يساعد - بكل تأكيد- في حل أزمة كوريا الشمالية.