«مساومة كبرى» أميركية- روسية.. وضغوط صينية على كوريا الجنوبية «تشينا ديلي» في افتتاحيتها يوم أمس، وتحت عنوان «زيادة الميزانية العسكرية يلبي متطلبات العصر»، استنتجت «تشينا ديلي» الصينية أن العالم يشهد تغيرات عميقة سياسياً واقتصادياً، ويواجه تحديات متعددة الأوجه تمتد من الإرهاب إلى التغير المناخي مروراً بغياب العدالة والنزاهة في العلاقات الدولية والأحادية وازدواجية المعايير. صحيح أن ثمة تقدماً حدث في مواجهة بعض القضايا العالمية كالحرب على «داعش» في الشرق الأوسط، حيث أبدت الدول حرصها على التعاون من أجل تحقيق مصلحة مشتركة. وفي هذا الإطار، تلتزم الصين بمسؤولياتها للمساعدة في تحقيق السلم العالمي والتنمية وضمان استقرار النظام الدولي. وبناءً على ما سبق، قررت الصين زيادة ميزانيتها العسكرية في 2017 بنسبة 7 في المئة.. قرار تراه الصحيفة ضرورياً ومناسباً ليس فقط لضمان أمن الصين وسيادتها، بل لجعل بكين تلعب دورها بطريقة أفضل كقوة دولية مسؤولة. ومن شمال شرق آسيا وصولاً لبحار شرق الصين، ترى بكين أن مصالحها الأمنية يتم تجاهلها، وفي الوقت ذاته تحتاج لحماية مصالحها المتنامية عبر البحار، وأن تساهم في عملية حفظ السلام على الصعيد الدولي. «ذي كوريا هيرالد» في افتتاحيتها لأول أمس، وتحت عنوان «الحوار الأميركي- الصيني»، رصدت «ذي كوريا هيرالد» ما تراه ضغوطاً صينية على كوريا الجنوبية بسبب نشرها أنظمة دفاع صاروخي أميركية. ومن مؤشرات الاستياء الصيني تراجع عدد السياح الصينيين، الذين يسافرون إلى كوريا الجنوبية، بنسب كبيرة تتراوح ما بين 60 إلى 70 في المئة، ما سينعكس سلباً على الأسواق الحرة في المطارات وعلى شركات النقل الجوي والفنادق والمطاعم. وحسب الصحيفة قد يتضرر تكتل Lotte التجاري بسبب الموقف الصيني، فالتكتل نقل أحد ملاعب الجولف الخاصة به والواقع بمنطقة «سوينجيو» الكورية شمال محافظة «جيونجسانج الشمالية» كي يتم نشر بطاريات لصواريخ مضادة للصواريخ بدلاً منه، وذلك بالتنسيق مع وزارة الدفاع الكورية الجنوبية. وحسب الصحيفة، فإن السلطات الصينية في محافظة «داندونج» قد علقت التعاملات مع متاجر Lotte، بذريعة أنها لا تلتزم بإجراءات مكافحة الحريق. وقد تظاهر عشرات الصينيين يوم الجمعة الماضي أمام أحد المتاجر في منطقة «شينجيانج» ورفعوا شعارات يطالبون فيها المتجر بمغادرة الصين بسبب دعم القائمين عليه لنشر الدرع الصاروخية الأميركية. بعض فروع المتجر لم تستطع إجراء مبيعات عبر شبكة الإنترنت. وحسب الصحيفة، يبدو التصعيد الصيني وصل إلى مرحلة تعكس أن بكين لم تعد تسمع لتبريرات سيؤول بشأن نشر أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية. ما يبعث على الاستغراب أن النظام في أصله دفاعي ومخصص لاعتراض الصواريخ القادمة من كوريا الشمالية وليس الصين. الخارجية الأميركية وجهت لوماً لبكين كونها تضغط على سيؤول كي تتخلى عن نظام دفاعي في وجه الصواريخ الكورية الشمالية، واعتبرت الضغوط الصينية غير مقبولة وغير مناسبة. وحسب الصحيفة لو لم تكن بحوزة بيونج يانج أسلحة نووية أو صواريخ باليستية، لما احتاجت كوريا الجنوبية نشر نظام للدفاع الصاروخي، ومن المنطقي أن يتم الضغط على كوريا الشمالية وليس الجنوبية، فبيونج يانج تهدد السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، من خلال إطلاقها صواريخ بالستية وتجريب أسلحة ذرية، وإطلاق النار على سفن حربية، وعلى ضوء هذا التصعيد، يتعين على بكين تفعيل العقوبات الأممية على بيونج يانج. وإذا كانت الصين قد نأت بنفسها عن كوريا الشمالية بعد قيام الأخيرة بإعدام «كيم نام» الأخ غير الشقيق للرئيس الكوري الشمالي، باستخدام أسلحة كيمياوية. ومع ذلك من المحتمل أن تواصل الصين دعمها لنظام «كيم» بغض النظر عن حجم العلاقات الاقتصادية بين بكين وسيؤول. وحسب الصحيفة، فإن الجولة الأولى من المحادثات بين إدارة وترامب والحكومة الصينية سيتم إجراؤها الشهر المقبل في الولايات المتحدة، وهو ما تراه الصحيفة فرصة لحل المأزق الراهن في شبه الجزيرة الكورية. وفي المقابل سيزور «ريكس تيلرسون» وزير الخارجية الأميركي الشهر الجاري كوريا الجنوبية واليابان والصين كي يبرر نشر نظام الدفاع الصاروخي للصينيين، أن يحث بكين على وقف تصعيدها ضد كوريا الجنوبية. «ذي موسكو تايمز» في مقاله المنشور في «ذي موسكو تايمز» يوم الخميس الماضي، وتحت عنوان «حان الوقت كي نجعل ضبط التسلح عظيماً مرة أخرى»، استنتج «فلاديمير فرولوف» أن دونالد ترامب يرسل إشارات مثيرة للقلق إلى موسكو خاصة في المسألة النووية. ففي المكالمة الهاتفية التي جرت بين ترامب وبوتين في 28 يناير الماضي، اقترح الرئيس الروسي تمديد معاهدة START الجديدة خمس سنوات أخرى، فالمعاهدة تتعلق بتخفيض الترسانة النووية للقوتين الأكبر في العالم، وكانت الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية قد وقعاها عام 2010، ومن المفترض أن تنتهي بحلول عام 2021، وإذا كانت أمر التمديد منطقي ولايحتاج لتفكير طويل، فإن ترامب وصف المعاهدة بأنها «صفقة سيئة» تصب في مصلحة روسيا. وبعد فوزه في الانتخابات بث تغريدة مفادها أن الولايات المتحدة يتعين عليها تقوية وتمديد قدراتها النووية.. وفي مداخلة تليفزيونية قال: (لندخل سباق تسلح، إننا سنتفوق عليهم، وسنصمد أكثر منهم.). الكاتب يرى أن موسكو قللت من شأن تصريحات ترامب، وأبدى الكريملن قناعته بأن لدى الولايات المتحدة الحق في تحديث ترسانتها النووية، في إطار المعاهدات المبرمة في هذا الخصوص، شريطة إلا تسعى واشنطن للحصول على مزايا أحادية. الولايات المتحدة لم تُحدّت ترسانتها النووية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وصاغ الكونجرس عام 2010 برنامجاً بقيمة تريليون دولار لاستبدال الأسلحة الاستراتيجية الموجودة حالياً. ويحذر الكاتب من انهيار معاهدة START الجديدة، لأن ذلك سيغير قواعد اللعبة، فبموجبها سيخفض الروس والأميركيون أسلحتهم الاستراتيجية بحلول فبراير 2018 إلى 700 سلاح لإطلاق الصواريخ النووية، و1550 رأس نوو لكل منهما، وهذا لايسمح لطرف بالتفوق على الآخر، وتبقي المعاهدة هذا الوضع حتى عام 2021. ترامب اعتبر المعاهدة صفقة سيئة للولايات المتحدة، وهو بذلك يلعب على قلق «الجمهوريين» من أن روسيا نشرت المزيد من الرؤوس الحربية النووية بعدد يتجاوز ما نصت عليه المعاهدة، لكن الأمر يتعلق بتحديث في أنظمة التسلح الروسية، ما أوجد تداخلاً ولغطاً لدى الأميركيين، علماً أن لدى روسيا وسائل إطلاق أسلحة نووية أقل من تلك الموجودة لدى الولايات المتحدة بـ173 وسيلة، وتلك ميزة استراتيجية لدى الأميركيين، فهذه الوسائل لا يمكن زيادتها بسرعة. وإذا قرر ترامب خروج بلاده من المعاهدة، فإنه سيدفع روسيا نحو خوض سباق لتصل بترسانتها النووية مرحلة الندية مع نظيرتها الأميركية، علما بأن روسيا لا تريد أن يطغى الملف النووي على أجندة ترامب، فموسكو اعتبرت المعاهدة تنازلاً من جانبها لصالح واشنطن في حين تم تجاهل توسيع «الناتو» ودخوله مناطق النفوذ السوفييتية السابقة، فموسكو تريد ربط الملفات بعضها بعضاً في إطار «مساومة كبرى» مع الولايات المتحدة تشمل أوكرانيا والأمن الأوروبي إضافة إلى المسائل النووية. إعداد: طه حسيب